بقلم مصطفي بدر .... لو تخيلنا تجربة فكرية مستحيلة الحدوث. هجوم إرهابي غادر على مبنى الكابيتول أثناء إلقاء الرئيس الأمريكي خطابه السنوي المعتاد state of the union أمام الكونجرس، ينتهي بمقتل الرئيس الأمريكي و نائبه و كامل أفراد حكومته، و كل أعضاء الكونجرس بمجلسيه، و أعضاء المحكمة الدستورية العليا، و كبار الجنرالات في هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، يعني إبادة كاملة لكل السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية للحكومة الفيدرالية الأمريكية بالإضافة لجنرالات العسكرية الأمريكية (طبعا مستحيل اجتماع كل هؤلاء في مكان واحد، بس دي تجربة فكرية خيالية فخلينا نوصل لنهايتها).
ايه اللي هيحصل، هل فراغ السلطة الكامل في واشنطن العاصمة هيؤدي لانهيار الدولة؟ و هنصحى من النوم هنلاقي تكساس استولى عليها الwhite supremacists و كاليفورنيا استقل بيها الhipsters، و المكسيك تدخلت بجيوشها علشان تسترجع نيو مكسيكو و أريزونا؟
الإجابة ببساطة: و لا هيحصل أي حاجة، لأن كل ولاية من ال50 ولاية المكون منها (الولايات المتحدة الأمريكية) عندها الحاكم المنتخب بتاعها و الكونجرس المحلي المنتخب بتاعها و محاكمها و شرطتها و الحرس الوطني التابع لقوات الاحتياط و القادر على بسط النظام. و أزيدك من الشعر بيتا و أقولك أن اللامركزية في أمريكا وصلت إلى أن كل ولاية من ال50 بتنقسم لمقاطعات counties (بيوصل عددها في ولاية كبيرة زي تكساس ل254 مقاطعة) ليها صلاحيات مستقلة عن حكومة الولاية و مناصب مهمة بانتخاب سكان المقاطعة مش بالتعيين زي منصب الsheriff أو ما يعادل مدير أمن المقاطعة.
فبالتالي هيظل الأمن مستتب و دولة القانون حاضرة في ال3144 مقاطعة على مستوى ال50 ولاية حتى يتم تجاوز الأزمة على المستوى الفيدرالي، و انتخاب رئيس جديد و كونجرس جديد بكل سلاسة و تصعيد قيادات الصف الثاني في القوات المسلحة الأمريكية و تعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا بموافقة الكونجرس المنتخب، و عودة الحكومة الفيدرالية لعملها لتعويض خسائر الاقتصاد و تحريك الجيوش لمعاقبة الجناة في أي مكان على كوكب الأرض.
و علشان كده الولايات المتحدة هي أقوى دولة في النظام العالمي الحالي و بتقود العالم في الاقتصاد و العلم و التقنية، لأن نظامها السياسي نابع من المجتمع مش مفروض بقوة السلاح. أمريكا الدولة رقم 1 على مستوى العالم من ناحية انتشار السلاح للمدنيين و امتلاكه، بحوالي 270 مليون سلاح ناري لأكتر من 300 مليون أمريكي بقليل (نسبة تقارب ال90%) بحكم أن حمل السلاح حق دستوري وفقا للبند الثاني من وثيقة الحقوق 1791.
يعني ممكن بدل ما الأمريكيين يروحوا انتخابات كل شوية على مستوى المقاطعة و الولاية و الحكومة الفيدرالية و جمهوريين و ديموقراطيين و بتاع، يخلصوا على بعض في الشارع أسهل، بس هما لحسن الحظ لا يمتلكون ذكاء الشرق أوسطيين المعتاد.
أمال إيه نوعية الدول اللي بتنهار، و بتدخل في حروب أهلية و أزمات اقتصادية و تدخلات اقليمية و دولية؟
أقولك أنا:
الصومال سياد بري، أفغانستان الملا عمر، العراق صدام حسين، سوريا عائلة الأسد، ليبيا معمر القذافي، و فيما يبدو مصر مرسي و السيسي.
سلطة مركزية تحتكر القرار تتململ الأقاليم من بطشها و تجاهلها، نخب و تنظيمات حاكمة بقوة السلاح لا ترى له بديلا لحل الأزمات السياسية، حكام مرضى بجنون العظمة يرون أنفسهم سيوف الله على الأرض، أجهزة بيروقراطية فاشلة لا تتمتع بأي كفاءة أو آليات محاسبة داخلية تمكنها حتى من إقامة ديكتاتورية مستقرة على غرار الصين، ثقافة عامة قروسطية بحكم تخلف التعليم و الخطاب الديني، ملايين الحمقى من الجماهير المغيبة دينيا و وطنيا.
الديموغرافيا هي العامل المتغير الوحيد اللي نجا الدولة المصرية من مصير العراق و سوريا، بحكم التجانس السكاني في وادي النيل (أقل من 90% بقليل مسلمين عرب سنة، و أقل من 10% بقليل مسيحيين أرثوذكس)، يعني لو التركيبة سنة و أكراد و شيعة زيهم، كنا لحقناهم.
لكن كما هو واضح مظاهر احتضار دولة يوليو 1952 المؤلمة بعقدها الاجتماعي الذي انتهت مدة صلاحيته مستمرة، و اللي كانت يناير 2011 إعلان عنه و ليست سببه. يعني لأول مرة نحن لا نواجه عدو خارجي على غرار (إسرائيل) احتل سيناء، بل تمرد مسلح داعشي له حاضنة مجتمعية سيناوية فات أوان حله سياسيا و لم يعد هناك بديل سوى المضي قدما في الحل العسكري (بالتوازي مع الحل التنموي طبعا) حتى لا تنفرط الدولة.
لأول مرة سكان الوادي في الدلتا و الصعيد سهلي المعشر و الانقياد بقوا منقسمين على أنفسهم في دعوات تلفزيونية متبادلة للقتل الجماعي و الثأر السياسي، صحيح يظل تأييدها شفوي و كتابي فقط حتى الآن، لكن مع تصاعد الأحداث مين عارف؟
لأول مرة، تبدو المؤسسة العسكرية قلب نظام يوليو 1952 في وجه المدفع غير قادرة هي الأخرى على تقديم حلول الأزمة المصرية المستعصية سوى خطابات وطنية مكررة.
هل في واحد في الجمهورية المصرية كلها عنده إجابة لسؤال افتراضي مش هيبيد الحكومة الفيدرالية الأمريكية بعمل إرهابي على غرار التجربة الفكرية اللي بدأنا بيها الكلام، لأ هيزيح رئيس الجمهورية الحالي بره المعادلة السياسية، و بالموت الطبيعي مش بالاغتيال.
حد عنده تصور واحد لآليات انتقال السلطة؟ مين ممكن يترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة و ينجح في ظل تأميم السياسة الحالي؟ و هيتعامل ازاي مع ملفات سيناء و قانون التظاهر...الخ؟
هل لو تكرر يوم 28 يناير 2011 مرة تانية، ايه اللي هيحصل في مصر بخلاف الفوضى العارمة و بحور الدم؟
و خاصة أنه بح خلاص مفيش مجلس عسكري ننقله السلطة تاني، لأنه هو اللي في وجه المدفع حاليا.
المجتمع المصري بحاجة لعقد اجتماعي جديد لدولة جديدة، عقد اجتماعي يتكلم عن توزيع سلطة الحكومة المركزية على الأقاليم، عن انتخاب المحافظين و المجالس المحلية و مديرين الأمن، عن هيكلة الشرطة لتهتم بالأمن الجنائي بدلا من أمن النظام، عن فصل الدين الإسلامي عن مؤسسات الدولة دستوريا بشكل قاطع و تجريم أي حزب ديني، عن تحييد المؤسسة العسكرية بشكل احترافي بعيدا عن الصراعات السياسية، عن تحقيق توافق مجتمعي و سياسي يضمن سحق أي تمرد مسلح بدل ما يهدد بتوسيعه.
ده الكلام اللي ممكن ينقلنا لقدام، علشان نبقى زي الدول المتقدمة اللي مبتقعش مع فراغ السلطة أو طبعا ممكن نتعلم بالطريقة الصعبة و بتكاليف و خسائر أكتر بكتير، و نخلينا نهتف كمان عن الإسلام و مصر حتى تقضي حركة التاريخ أمرا كان مفعولا.
ايه اللي هيحصل، هل فراغ السلطة الكامل في واشنطن العاصمة هيؤدي لانهيار الدولة؟ و هنصحى من النوم هنلاقي تكساس استولى عليها الwhite supremacists و كاليفورنيا استقل بيها الhipsters، و المكسيك تدخلت بجيوشها علشان تسترجع نيو مكسيكو و أريزونا؟
الإجابة ببساطة: و لا هيحصل أي حاجة، لأن كل ولاية من ال50 ولاية المكون منها (الولايات المتحدة الأمريكية) عندها الحاكم المنتخب بتاعها و الكونجرس المحلي المنتخب بتاعها و محاكمها و شرطتها و الحرس الوطني التابع لقوات الاحتياط و القادر على بسط النظام. و أزيدك من الشعر بيتا و أقولك أن اللامركزية في أمريكا وصلت إلى أن كل ولاية من ال50 بتنقسم لمقاطعات counties (بيوصل عددها في ولاية كبيرة زي تكساس ل254 مقاطعة) ليها صلاحيات مستقلة عن حكومة الولاية و مناصب مهمة بانتخاب سكان المقاطعة مش بالتعيين زي منصب الsheriff أو ما يعادل مدير أمن المقاطعة.
فبالتالي هيظل الأمن مستتب و دولة القانون حاضرة في ال3144 مقاطعة على مستوى ال50 ولاية حتى يتم تجاوز الأزمة على المستوى الفيدرالي، و انتخاب رئيس جديد و كونجرس جديد بكل سلاسة و تصعيد قيادات الصف الثاني في القوات المسلحة الأمريكية و تعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا بموافقة الكونجرس المنتخب، و عودة الحكومة الفيدرالية لعملها لتعويض خسائر الاقتصاد و تحريك الجيوش لمعاقبة الجناة في أي مكان على كوكب الأرض.
و علشان كده الولايات المتحدة هي أقوى دولة في النظام العالمي الحالي و بتقود العالم في الاقتصاد و العلم و التقنية، لأن نظامها السياسي نابع من المجتمع مش مفروض بقوة السلاح. أمريكا الدولة رقم 1 على مستوى العالم من ناحية انتشار السلاح للمدنيين و امتلاكه، بحوالي 270 مليون سلاح ناري لأكتر من 300 مليون أمريكي بقليل (نسبة تقارب ال90%) بحكم أن حمل السلاح حق دستوري وفقا للبند الثاني من وثيقة الحقوق 1791.
يعني ممكن بدل ما الأمريكيين يروحوا انتخابات كل شوية على مستوى المقاطعة و الولاية و الحكومة الفيدرالية و جمهوريين و ديموقراطيين و بتاع، يخلصوا على بعض في الشارع أسهل، بس هما لحسن الحظ لا يمتلكون ذكاء الشرق أوسطيين المعتاد.
أمال إيه نوعية الدول اللي بتنهار، و بتدخل في حروب أهلية و أزمات اقتصادية و تدخلات اقليمية و دولية؟
أقولك أنا:
الصومال سياد بري، أفغانستان الملا عمر، العراق صدام حسين، سوريا عائلة الأسد، ليبيا معمر القذافي، و فيما يبدو مصر مرسي و السيسي.
سلطة مركزية تحتكر القرار تتململ الأقاليم من بطشها و تجاهلها، نخب و تنظيمات حاكمة بقوة السلاح لا ترى له بديلا لحل الأزمات السياسية، حكام مرضى بجنون العظمة يرون أنفسهم سيوف الله على الأرض، أجهزة بيروقراطية فاشلة لا تتمتع بأي كفاءة أو آليات محاسبة داخلية تمكنها حتى من إقامة ديكتاتورية مستقرة على غرار الصين، ثقافة عامة قروسطية بحكم تخلف التعليم و الخطاب الديني، ملايين الحمقى من الجماهير المغيبة دينيا و وطنيا.
الديموغرافيا هي العامل المتغير الوحيد اللي نجا الدولة المصرية من مصير العراق و سوريا، بحكم التجانس السكاني في وادي النيل (أقل من 90% بقليل مسلمين عرب سنة، و أقل من 10% بقليل مسيحيين أرثوذكس)، يعني لو التركيبة سنة و أكراد و شيعة زيهم، كنا لحقناهم.
لكن كما هو واضح مظاهر احتضار دولة يوليو 1952 المؤلمة بعقدها الاجتماعي الذي انتهت مدة صلاحيته مستمرة، و اللي كانت يناير 2011 إعلان عنه و ليست سببه. يعني لأول مرة نحن لا نواجه عدو خارجي على غرار (إسرائيل) احتل سيناء، بل تمرد مسلح داعشي له حاضنة مجتمعية سيناوية فات أوان حله سياسيا و لم يعد هناك بديل سوى المضي قدما في الحل العسكري (بالتوازي مع الحل التنموي طبعا) حتى لا تنفرط الدولة.
لأول مرة سكان الوادي في الدلتا و الصعيد سهلي المعشر و الانقياد بقوا منقسمين على أنفسهم في دعوات تلفزيونية متبادلة للقتل الجماعي و الثأر السياسي، صحيح يظل تأييدها شفوي و كتابي فقط حتى الآن، لكن مع تصاعد الأحداث مين عارف؟
لأول مرة، تبدو المؤسسة العسكرية قلب نظام يوليو 1952 في وجه المدفع غير قادرة هي الأخرى على تقديم حلول الأزمة المصرية المستعصية سوى خطابات وطنية مكررة.
هل في واحد في الجمهورية المصرية كلها عنده إجابة لسؤال افتراضي مش هيبيد الحكومة الفيدرالية الأمريكية بعمل إرهابي على غرار التجربة الفكرية اللي بدأنا بيها الكلام، لأ هيزيح رئيس الجمهورية الحالي بره المعادلة السياسية، و بالموت الطبيعي مش بالاغتيال.
حد عنده تصور واحد لآليات انتقال السلطة؟ مين ممكن يترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة و ينجح في ظل تأميم السياسة الحالي؟ و هيتعامل ازاي مع ملفات سيناء و قانون التظاهر...الخ؟
هل لو تكرر يوم 28 يناير 2011 مرة تانية، ايه اللي هيحصل في مصر بخلاف الفوضى العارمة و بحور الدم؟
و خاصة أنه بح خلاص مفيش مجلس عسكري ننقله السلطة تاني، لأنه هو اللي في وجه المدفع حاليا.
المجتمع المصري بحاجة لعقد اجتماعي جديد لدولة جديدة، عقد اجتماعي يتكلم عن توزيع سلطة الحكومة المركزية على الأقاليم، عن انتخاب المحافظين و المجالس المحلية و مديرين الأمن، عن هيكلة الشرطة لتهتم بالأمن الجنائي بدلا من أمن النظام، عن فصل الدين الإسلامي عن مؤسسات الدولة دستوريا بشكل قاطع و تجريم أي حزب ديني، عن تحييد المؤسسة العسكرية بشكل احترافي بعيدا عن الصراعات السياسية، عن تحقيق توافق مجتمعي و سياسي يضمن سحق أي تمرد مسلح بدل ما يهدد بتوسيعه.
ده الكلام اللي ممكن ينقلنا لقدام، علشان نبقى زي الدول المتقدمة اللي مبتقعش مع فراغ السلطة أو طبعا ممكن نتعلم بالطريقة الصعبة و بتكاليف و خسائر أكتر بكتير، و نخلينا نهتف كمان عن الإسلام و مصر حتى تقضي حركة التاريخ أمرا كان مفعولا.