الثورة الاسلامية في مصر قادمة

.الإسلاميين في مصر (باستثناء الدعوة السلفية ) رموا بثقلهم وراء خيار "الثورة الاسلامية " و المواجهة الشاملة ضد الدولة القديمة و يتضمن هذا درجات متكاملة و متنوعة من الصدام و الصراع ..و تقديرهم للموقف انهم آلان في وضع أفضل نسبيا من كام شهر فاتوا (من ناحية الخبرات و المهارات و القدرة علي تصعيد المواجهة و تحمل القمع و صلابة الحواضن الشعبية و ازدياد السخط العام علي نظام السيسي ) و اعتقد ان التقدير ده علي جانب من الصحة ..

لكن و بعيدا عن إعجاب الشباب بنموذج الثورة الاسلامية علي الطريقة الإيرانية ،يبقي الرهان الحقيقي لنخب الاخوان هو علي السيناريو السوداني (البشير-الترابي ) سنة ١٩٨٩ اي انقلاب عسكري من داخل الجيش متحالف مع الإسلاميين لأسباب سياسية و مصلحية او حتي أيديولوجية ..و من نافل القول ان هذا السيناريو سيكون سيناريو كارثي بالنسبة للبلد و بالنسبة للحالمين بالتغيير الديمقراطي الثوري في مصر ، و من عناصر كارثيته انه سيناريو ممكن الحدوث مقارنة بالسيناريو الأكثر خيالية بتاع الثورة الاسلامية الإيرانية .

لا مش بشير ترابي ...هيبقى تركيا اوردغان باذن الله .. بشير ترابي فات اوانها من زمان ...انت فاكر ان الاخوان عبارة عن شكارة اسمنت قيادتها بتحركها زي ما هي عايزة , وبعدين اذا كان قيادات الاخوان نفسهم اتبهدلوا وابن المرشد استشهد وبنت البلتاجي..انت دكتور سياسة عيب تبني تحليلك على كده... حاول تبعد ايدلوجيتك وانت بتقرأ المشهد .. أعتقد لو ضفت  موضوع التسريبات وإنها قرصة ودن للسيسي من داخل نظامه وغالبا من داخل المؤسسة العسكرية نفسها وأن الأمور ليست على ما يرام بين رجال النظام الواحد - هنلاقي نفسنا قدام سيناريو (البشير - الترابي ) فعلا ، انقلاب من الداخل يتفق مع الاخوان على مصلحة سياسية واحدة وهي الاطاحة بالسيسي والوصول للحكم وغير أن السيناريو ده كارثي وأكثر قابلية للحدوث إلا أن أثناء تقسيم السلطة هنعيد نفس مسلسل (السيسي - الإخوان) بتكلفه قمع وقتل وخراب أعلى بكتير من اللي حصلت وبتحصل .


١-تركيا اردوغان ازاي و انت في مصر البلد اللي حالتها زي الخرا؟!!..تركيا دي في التحليل الأخير بلد شهد تراكم رأسمالي إنتاجي عبر القرن العشرين و تاريخ من الديمقراطية و المجتمع المدني و مؤسسات كفؤة إنما مصر دي خرارة كبيرة...اي حركة إسلامية استراتيجيتها بتتحدد في سياق مجتمعها و لما يكون زي مصر بلد بلا اي تراكم رأسمالي إنتاجي و مؤسساتها الدولتية و الاجتماعية في غاية التدهور يبقي ما ينفعش يكون فيه فرص لما يسمي بالإسلاميين الديمقراطيين ...

٢-تركيا اردوغان (ليس الان لانه الان اصبح اقرب للسلطوية الانتخابية و لكن في مراحله السابقة ) نموذج قائم علي فكرة "الديمقراطية الانتخابية التمثيلية الاسلامية " بينما اغلب إسلاميين مصر طلقوا الديمقراطية بالثلاثة اصلا بعد كل ما حدث...

٣-لم اقل ان الإسلاميين ماشيين ورا حد..بالعكس كل كتاباتي الاخيرة عن الإسلاميين بتقول ان فيه حالة سيولة و عدم يقين و تشتت و تضارب و لا مركزية و عفوية في العمل ده غير الجسم المتزايد من الإسلاميين خارج الاخوان اصلا و اللي سميتهم مجازاً قبل كده "إسلاميين رابعة" و لكن قلت سيناريو "النخب الإخوانية " و دي ما تزال أطراف فاعلة مهمة داخل الجسم الاسلامي ...

٤- هذه النخب الإخوانية ناس بنت ستين في سبعين و بنت حرام مصفي ...
٥- البلتاجي و عائلته مش محسوبين من ضمن النخب الإخوانية اصلا ...
٦- هو انا لما اشتم في السيسي كلامي يبقي عاجب لكن لما اقرب من الاخوان بنص كلمة يبقي يا ويلي و سواد ليلي؟!...

المؤسسة العسكرية ككل هي ضد الاسلام السياسي لكن ممكن يكون فيه جواها عناصر ذات ميول إسلامية (قادة الجناح العسكري لجماعة أنصار بيت المقدس هم ضباط صاعقة و مشاة منشقين و منفذ عملية دمياط هو ضابط بحري كان ما يزال في الخدمة)..عموما من الصعب الجزم لانه تنقصنا المعلومات ..هو سيناريو بيراهن عليه النخب الإخوانية لكن في تقديري ممكن سيناريو انقلابي اخر يكون اكثر ارجحية ألا و هو سيناريو سوريا الخمسينات : انقلاب نخب عسكرية ضد بعضها البعض في إطار ترتيبات إقليمية و خاصة بعد فشل السيسي في الحكم لكن حتي السيناريو ده ممكن يشهد تسوية بين النخب العسكرية الجديدة و النخب الإخوانية سعيا وراء الاستقرار السياسي ...بالنسبة لسيناريو الجزائر ففي حالة الجزائر كان عندها مداخيل بترول سمح للجنرالات بالنجاح المعقول في إدارة الدولة و كمان الإسلاميين في اغلبهم اعترفوا بفشل خيار المواجهة بعد ٨ سنين من الصدام و اخيراً فان فصيل مهم منهم (الاخوان بتوع الجزائر ) تحالفوا مع الجنرالات من البداية في حربهم ضد جبهة الإنقاذ و الجماعات المسلحة.

تركيا عندها تراكم رأسمالي عبر القرن العشرين كله و مر عبر مراحل مختلفة : مرحلة التصنيع الدولتي عبر إحلال الواردات في الأربعينات والخمسينات و الستينات و مرحلة التصنيع من أجل التصدير عبر القطاع الخاص في الثمانينات ايام تورجوت أوزال و كلا المرحلتين شهدتا نجاحا نسبيا و معقولا مقارنة بمصر اللي فشلت في نفس المراحل ..اردوغان لما استلم في أوائل الألفية كانت تركيا تعاني من انهيار مالي و لكن ليس اقتصادي ..قاعدة الانتاج الاقتصادي و التراكم الرأسمالي كانت موجودة من قبل..و ده عامل مهم جدا لان ده اللي بيخلق الفاعلين الاجتماعيين و الاقتصاديين المختلفين و بيخلق المصلحة في التفاوض و توسيع عملية صنع القرار فيما يخص توزيع و تخصيص الموارد العامة بين النخب المختلفة خارج الدولة ..مافيش ديمقراطية حقيقية و مستمرة من غير ده ..مصر بقي مافيهاش صناعة و لا انتاج اصلا و لم تعرف الا رأسمالية الدولة الفاشلة و رأسمالية المحاسيب الطفيليين الأكثر فشلا...سيناريو بشير ترابي فيه صعوبات كبيرة و منها صعوبة تسويقه للقواعد الاسلامية الشبابية الثائرة و الفاعلة (صعب جدا لكن يبقي غير مستحيل ) ده غير وضع مؤسسات الدولة القديمة و شبكات مصالحها اللي استثمرت في العداء للإسلاميين .و الجيش حاليا عايز من الإسلاميين الاستسلام و الإذعان التام لكن ده اصلا أصعب حتي من سيناريو الترابي البشير ..طب و بعدين؟

اما بقي سيناريو انتصار الإسلاميين التام و عودة مرسي ظافرا فده و بشكل موضوعي و بصرف النظر عن رأيي الخاص فيه و انه سيناريو كارثي برضه فهو سيناريو فرص حدوثه صفر تمام زي فرص حدوث نجاح السيسي في التحديث و التنمية و الإصلاح ..ببساطة البلد دي و الدولة دي اصعب و اتقل علي الإسلاميين من انهم يسيطروا عليها..اذا كان فشلوا في ده ايام ما كان وضعهم الشعبي أفضل بكتير في ٢٠١١ و ٢٠١٢ عايزهم ينجحوا دلوقت ؟!

انا لما قلت تركيا اوردوغان قصدت انه استسلام الجيش لشرعية الانتخابات ..مش بس الاخوان اللي كرهوا الجيش , الشعب كله ادرك ان مصر ما ينفعش يحكمها عسكري !!..كانت اخر محاولة للجيش هي محاولة السيسي و اداته الوحيدة هي فرض الامر الواقع واللي حولت الدولة العميقة الى دولة فاشلة مكروهه وعاجزة رسميا عن تقديم ابسط الخدمات...المخرج الوحيد امام قيادات الظل في الجيش هو الاستسلام للشرعية الدستورية اللي هي مرسي في مقابل الخروج الامن , وده كان اتفاق قديم انقلب عليه طنطاوي والسيسي, ولكن السيسي حرق كل مراكب العودة ...انت قولتها بنفسك :سوار ذهب سيسلمها للترابي , ولكن لم يعد هناك بشير وليس مقبول ان يكون هناك بشير شعبيا او حتى اخوانيا...
معتقدش إن في إمكانية لتكرار موضوع الترابي-البشير... ﻻ اﻹخوان عندهم ترابي ولو وجد بشير في الجيش فهو من المؤكد إنه حيكون عاجز تماما عن فرض أي شئ على الجيش في ظل "التطييف" الكامل للقوات المسلحة وباقي الأجهزى اﻷمنية... هي الحقيقة كده منظرها أقرب لسوريا والعراق فعﻻ، حيث تخرج مناطق كاملة خارج السيطرة ولكنها تيقى عاجزة عن التحول لحواضن أى بديل مقنع وعملي... بل على العكس تتحول المناطق دي نفس لعامل يحفظ تماسك حواضن النخبة المتحكمة أكثر من أى شئ... ويستمر المستنقع على ما هو عليه كما هو الحال في سوريا والعراق وإن كان بحجم خسائر أقل محدودية...

مش حقيقي ان خيار العنف بينفذوه فعليا من ساعة الانقلاب .ده كلام دعاية اعلام النظام لكنه مش دقيق.اصلا لو كل الجسم الضخم بتاع الاخوان و الإسلاميين في مصر كان قد قرر العنف الشامل ضد النظام من ساعتها كان scale المواجهة كان حيبقي اشرس من كده كتير مش الكام قنبلة الهابلة اللي بتترمي هنا او هناك (طلع سيناء بره الموضوع) ..انت بتتكلم عن تيار سياسي و اجتماعي ضخم و منتشر عبر مصر كلها و عنده ربع القوة التصويتية في مصر و ليه قواعد ضخمة وسط الطبقات الوسطي و الدنيا في الريف و الحضر ...استراتيجية الاخوان بعد الانقلاب و لفترة مش قليلة كانت هي محاولة اعادة انتاج ثورة ٢٥يناير عبر الحراك الاحتجاجي و المظاهرات و الإعتصامات و لافتة "سلمية" و ده منطقي لأنهم ماكانوش عايزين يخسروا جمهورهم في الداخل و الخارج و الرأي العام المحلي و الدولي و يخسروا صورة "الإسلاميين المعتدلين العاقلين " اللي هي راسمالهم السياسي الحقيقي دوليا و إقليميا ..الوضع ابتدي يتغير تدريجيا و خصوصا بعد فشل الحراك السلمي و القمع المتصاعد و بعد نجاحات داعش و الجهاديين و الإسلاميين المسلحين في سيناء و ليبيا

تركيا مختلفة عنا في حاجات كتير..و اردوغان لم يكن ليفلح في تقليم أظافر الجيش الا عبر سلسلة من التفاهمات و التوافقات قاعدة قوتها الحقيقية هو مجتمع له نخبه المستقلة و الفاعلة اقتصاديا و انتاجيا و له مجتمعه المدني و مؤسساته الاجتماعية و هذا المجتمع في اغلبه أيد هذه التفاهمات و التوافقات و دفع في اتجاهها ..مصر مش كده خالص ..لا عندها نفس الاقتصاد و لا نفس المجتمع المدني و لا نفس النخب و لا نفس الحركات الاجتماعية و الصوفية و لا نفس التاريخ الطويل و المعقد من عمل الأحزاب السياسية و الحركات الاسلامية و الأحزاب الاسلامية و النقابات و مؤسسات الدولة ...ثم تركيا دلوقت مش اللي هي في سلام سياسي يعني ..دي بتعاني من استقطاب سياسي و اجتماعي حاد بسبب سلطوية اردوغان المتزايدة في مرحلته الاخيرة ...مشكلة الإسلاميين المصريين انهم عندهم عقلية الروشتة الطبية يعني يقولك "الحل الاردوغاني" في bullet points كده....طب تسألهم عندكم فكرة عن السياق التاريخي المعقد و المركب لهذه الاردوغانية في تركيا و ايه صلتها بالأوضاع في مصر؟ ما تلاقيش عندهم فكرة...ده تبسيط مخل جدا...بالنسبة للجيش في مصر فهو مكمل معانا لفترة طويلة لانه يدافع عن دولته يعني الموضوع وجودي بالنسبة له و لان المجتمع ضعيف أمامه و لكن حتي لو خرج فيما بعد فهو لن يخرج الا عبر تفاهم يضمن مصالحه و دوره ، تفاهم مع قوي سياسية مدنية منظمة تمثل المجتمع (مش موجودة حتي أشعار اخر) و/او الإسلاميين و دي الحدوتة اللي بنحكي فيها

انا اسف يا دكتوراشرف... اسمحلي انت بتناقض نفسك في الكومنت الاخير , وزي ما قلتلك انت بيطغى عليك الايدلوجيا احيانا وده مش عيب لاننا بشر بس بنحاول...اسباب قوة المجتمع المدني في تركيا من باب اولى تجعل مهمة اوردوغان اصعب , في المقابل في مصر زي انت ما قلت مجتمع ضعيف وبالتالي فمن باب اولى ان يتم تمرير الاتفاقات وضمانها بشكل اسهل ولمدة اطول في مقابل ان تصل مؤسسة الاخوان للسلطة بشكل حقيقي ...فنيا الثورة خيار استراتيجي للاخوان بمعنى اقتلاع كامل للانقلاب وحرق اكبر عدد ممكن من مراكب عودته وبدعم الجيش طبعا لتحسين صورته وترميمها اذا امكن وبالطبع لضمان الخروج الامن , اي عك في النص الثورة مستمرة ... تحليل دور الجيش في المستقبل يتوقف على تعريفك للجيش المصري والجيش التركي, الجيش المصري هو تجمع عسكري لا اكثر لا ايدولوجيا ولا عقيدة سوى الفكرة العبيطة فكرة الرئيس الدكر التي زرعها عبد الناصر بطريقة او باخرى وانقذها بعد خازوق 67 الحل السياسي في 73 واستمر على حسها حسني الى ان استنفذها واستنفذ البلد تقريبا ونفذ معها ايضا ما يسمى جيل اكتوبر, الجيش التركي ليس مجرد تجمع عسكري بل ايدولوجيا وثقافة لدى قطاع عريض من الاتراك..سؤال اخر هل العلمانية في مصر هي بقوة العلمانية في تركيا ؟! ..ماهو بديل الاخوان غير الجيش في المستقبل المنظور؟!...ايهما اكثر تماسكا وتنظيما وعقائدية واكثر تجذرا وانتشارا افي المجتمع اخوان مصر ام اخوان تركيا ؟!!

انا يمكن كلامي مش واضح..التحديث و التقدم الاجتماعي و الاقتصادي في تركيا عبر القرن العشرين بيجعل اصلا الفوارق الأيديولوجية بين الإسلاميين و العلمانيين في تركيا غير ذات موضوع كبير بالنسبة للتفاهمات السياسية و بيجعل مواقع الإسلاميين كفاعلين محافظين داخل المجتمع المدني و السياسي اكثر انسجاما من حالة مصر و بالتالي بيخلق ارضية لتفاهمات واسعة عبر الأيديولوجيات فيما يخص الديمقراطية و علاقة الجيش بالسياسة و غيره بل اصلا بيخلق حالة من السيولة في الاختيارات السياسية التكتيكية و ده بيخلي عادي جدا ان ابن الطبقة الوسطي العليا الحضرية في تركيا يتنقل في تصويته الانتخابي بين العلمانيين و الإسلاميين بمرونة و سهولة...و لو ان الوضع دخل في مرحلة من الاستقطاب في السنوات الاخيرة لاردوغان نتيجة لتحوله نحو السلطوية و البطش..كلامي ده اصلا ضد المنطق الأيديولوجي خالص!!..اللي انا بنتقده هو التفكير التبسيطي اللا تاريخي بتاع كلامك اللي هو : "في مصر حنعمل نموذج تركيا اردوغان"..مافيش حاجة اسمها كده اصلا : السياق مختلف و التاريخ مختلف و الفاعلين مختلفين و المواريث مختلفة

و الجيش المصري مش مصالح و فقط لكن عنده عقيدة سياسية بالفعل و هي انه قائد الدولة السلطوية الممثلة للوطنية المصرية..عقيدة ضحلة و مسطحة و مفلسة لكنها في منتهي الخطورة و الأهمية لانها اللي شكلت بشكل حاسم تاريخ البلد و الدولة في القرن العشرين ...و اخيراً كلامك عن ان الاخوان قوة ثورية تدفع نحو التغيير الثوري فده كلام يتناقض طبعا مع فكر الاخوان و منهجهم في التغيير و مع طبيعة قواعدهم الاجتماعية في الطبقة الوسطي المحافظة و المتدينة..و كلامك ده هو اللي تحليل يغلب عليه الهوي و التعسف الأيديولوجي الآني في اللحظة الراهنة