أسامة النجيفى رئيسا ً للعراق بأوامر امريكية

يتأهب العراق لعقد أول انتخابات برلمانية و رئاسية بعد انتهاء الاحتلال الامريكي بخروج القوات الاجنبية عن اراضيه فى ديسمبر 2011 ، حيث من المقرر ان يتوجه الناخب العراقى فى 30 ابريل 2014 لانتخاب مجلس جديد للنواب ، و يقوم مجلس النواب الجديد بانتخاب رئيس للجمهورية و رئيس للوزارة العراقية .
ويجرى العمل على قدم و ساق لتأسيس عراق ما بعد الجلاء و انهاء الاحتلال الاجنبي، حيث تتعالى الصيحات الانفصالية و الفيدرالية ، فالكرد شمالا ً يريدون انهاء ترسيم حدود الاقليم الكردستاني بشكل نهائى عبر اقتطاع بعض اجزاء الموصل ، و يرعى المشروع رئيس اقليم كردستان الملا مسعود البرزاني برعاية ايرانية ، خاصة انه تخلص من منافسه القوي فى الاقليم متمثلا ً فى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة رئيس الجمهورية المنتهية ولايته جلال طالباني ، حيث نال الحزب فى انتخابات الاقليم 18
مقعدا ً فحسب من اصل 111 مقعد ما جعله فى المرتبة الثالثة خلف الحزب الديموقراطي الكردستاني لصاحبه آل برزاني و حزب التغيير بقيادة نوشيروان مصطفى ، كما كان اداء الاسلاميين فى كردستان وقتذاك مفاجئا ً و لكنه اسعد البرزاني .
وتكمن سعادة البرزاني فى قوة اداء اسلامييو الكرد فى تحالفه الجديد مع الاخوان المسلمين العراقيين ، فقد مد لهم غصن الزيتون بمباركة مسعي حليفهم اسامة النجيفى رئيس مجلس النواب و وزير الصناعة الاسبق لتولى رئاسة العراق عقب الانتخابات الرئاسية مقابل ان يوافق الرئيس المقبل و كتلته البرلمانية و الوزارية على قطم كردستان لبعض اجزاء الموصل بالاضافة الى اتخاذ المزيد من الخطوات الانفصالية .
أسامة النجيفى لم يكتفى بالدعم الكردي للوصول الى الرئاسة العراقية ، و لكنه جمع الحركات السياسية السنية المحسوبة على فكر الاخوان المسلمين خلفه ، سواء الحزب الاسلامي العراقى الذراع الحزبي للاخوان فى العراق ، او إخوان العراق فى الخارج
( التنظيم الدولي )
و يكفى القول ان ممثل اخوان العراق فى التنظيم الدولى بالعاصمة البريطانية لندن
انس التكريتي – ابن اسامة التكريتي زعيم الحزب الاسلامي العراقى السابق – قد رافق
النجيفى فى زيارته لواشنطن خلال يناير 2014 ، حيث تباحث النجيفى فى واشنطن مع
الرئيس الامريكي باراك اوباما و وزير دفاعه تشاك هاجل .
وتسعي الولايات
المتحدة الامريكية لدعم الاسلاميين فى العراق لتولى منصب رئاسة الجمهورية من اجل
نفى تهمة الانحياز او تهميش السنة فى العمل السياسي ، كما ان وجود رئيس من الاسلام
السياسي السني على رأس العراق يخدم الاجندة الامريكية الاقليمية و يخدم رغبة
امريكا فى انسلاخ العراق الغربي او على اقل تقدير اعلان فيدراليات سنية فى شمال و
غرب العراق ، ما يجعل واشنطن ترمى بثقلها خلف اسامة النجيفى الذى اصبح اقوي مرشح
سنى لرئاسة العراق .
توحيد الاسلام
السياسي السني لم يتوقف عند الحزب الاسلامي بافرعه داخل العراق او خارجها ، بل
امتد الى تجمع المستقبل الذي يقوده الثلاثي الانباري وزير المالية المستقيل رافع
العيساوي والنائب سلمان الجميلي و نائب جبهة التوافق السابق ظافر العاني ، حيث حقق
النجيفى معجزة يوم استطاع تحجيم شعبية العيساوي ، كما نجح فى ضم كتلة الحل بقيادة
جمال الكربولي ، و هكذا وحد النجيفى الاسلام السياسي السنى فى قائمة انتخابية اطلق
عليها قائمة متحدون للإصلاح .
متحدون للإصلاح
تقف بقوة خلف اعلان اقاليم عربية سنية فى الموصل و الإنبار ، وصولا ً الى جمهورية
العراق الغربي ، الهدف الذى تسعي اليه الولايات المتحدة الأمريكية و السعودية عبر
دعمها انتفاضات و اعتصامات الانبار و الموصل وصولا ً الى دعم داعش و السلفية
الجهادية فى غرب العراق من اجل هذا الهدف .
تأسلف الحركات
الانفصالية او الفيدرالية فى غرب العراق جريمة امريكية – سعودية لا تغتفر ، لدرجة
ان عناصر اسلامية مثل العيساوي لم يعد مرغوب فيها هنالك ، تماما ً مثل السنة
العلمانيين على غرار صالح المطلك نائب رئيس الوزراء الحالى ، ما يعني ان النجيفى و
رفاقه سوف يعانون الامرين مع مجاهدي العراق الغربي عقب الانتخابات ، سواء نجحوا فى
اعلان الاقليم العربي كما يطلقون عليه او فشلوا ، فى الحالتين غرب العراق اليوم
بؤرة ارهابية كبري .
تلك البؤرة جعلت
الاسلام السياسي السني غير السلفى الجهادي يرمى ثقله خلف اسامة النجيفى ، و كان
الاخير بارعا ً فى تلقى الهدايا و آخرها تقليم اظافر شعبية العيساوي بعد ان كان
وزير المالية المستقيل هو الاوفر حظا ً من النجيفى للظفر بالمكاسب السياسية الكبري
فى انتخابات 2014 .
رئيس الوزراء
المنتهية ولايته نورى المالكى تلقى بدوره هدايا تأسلف العمل السياسي فى غرب العراق
، عبر احتضان السنة العلمانيين حتى لو كانوا بعثيين سابقيين ، مثل صالح المطلك
رئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني و مشعان الجبوري رئيس حركة النهرين الوطنية ،
و يرى المالكي انه حال امتلاك الورقة السنية العلمانية فى يده فأن الكرد سوف
يضطرون الى التحالف معه .
يدخل المالكي
الانتخابات بقائمة ائتلاف دولة القانون و هو على خلاف مع باقى المكونات الشيعية ،
سواء قائمة الاصلاح الوطنى بقيادة رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفرى ، او كتلة
الاحرار الممثلة للتيار الصدر بقيادة مقتدي الصدر ، او كتلة المواطن الممثلة
للمجلس الاعلى الاسلامي بقيادة عمار الحكيم .
حلفاء المالكى
السابقين تحالفوا اليوم مع النجيفى ، تحديدا ً عمار الحكيم و مقتدي الصدر و مسعود
برزاني ، ولكن يبقى السؤال عن هوية رئيس الوزراء المقبل ؟
عمار الحكيم يضم
فى قائمته الانتخابية نائب رئيس الوزراء و وزير النفط الاسبق احمد الجلبي ، بينما
يرى البعض حتمية التحالف مع رئيس ائتلاف الوطنية رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي ،
ولكن المباحثات تدور لتوسيع الخيارات لاسم ثالث لم يحدد لحظة كتابة تلك السطور .
المالكى بدوره
تحسبا ًَ لفوزه دون قدرته على تولى رئاسة الوزراء احتفظ فى قائمته الانتخابية
بنائب رئيس الوزراء حسين شهرستاني ، لكى يقوم بتزكيته رئيسا ً للوزراء حال فوز
قائمته الانتخابية دون ان يمتلك القدرة لكى يفرض نفسه لولاية ثالثة رئيسا ً
للوزراء خاصة فى ظل رغبة عمار الحكيم و مقتدي الصدر فى تطبيق القانون الذى اقره
مجلس النواب فى ابريل 2013 بعدم اجازة تولى نفس الشخص رئاسة الوزارة العراقية
ثلاثة ولايات .
الملاحظ هو تشرذم
الكرد و السنة و الشيعة على حد سواء ، فالتحالفات العراقية اليوم عابرة للطائفية ،
و لكن النتائج سوف تخدم الطائفية ، فالتحالف بين النجيفى السني وبرزاني الكردي
يخدم مشروع اقليم السنة فى الغرب و اقليم الكرد فى الشمال .
كما ان برزاني
يريد حسم انتخابات ابريل 2014 لصالح شبكة علاقته لكى يحسم الخلافة داخل العشيرة
البرزانية و داخل حزبه السياسي و اقليمه الكردستاني بمشورة ايرانية، ويسعي ايضا ً
لحسم العملية السياسية فى الاقليم ، اذ منذ ان اجريت الانتخابات الكردستانية فى
سبتمبر 2013 لم ينعقد البرلمان الكردستاني لكى ينتخب رئيس للاقليم ورئيس لوزرائه ،
و هى من الأمور المؤجلة لما بعد حسم اختيار رئيس للجمهورية العراقية و رئيس
للوزراء على ضوء الانتخابات المقبلة .
الملحوظة الثانية
هو تشرذم الطائفة السنية تحديدا ً ، بعد ان كان لها جبهة التوافق العراقية فى
انتخابات 2006 و 2010 ، و لكن خسارتها فى الانتخابات الاخيرة ادت الى سقوط اخوان
الداخل لصالح اخوان الخارج و عمل اخوان الداخل كحركات سياسية بعيداً عن الحزب
الاسلامي العراقى المترهل .
الملحوظة الثالثة
هو ان شيعة العراق زعماء الاسلام السياسي الشيعي مثل عمار الحكيم و مقتدي الصدر و
من قبلهم آية الله على السيستاني هم الاكثر تمسكا ً بعراق مدني ، لان خيار المدنية
هنا يمنع الفيدراليات المذهبية و الانفصال السني لغرب العراق ، ويجعل الكرد وحدهم
يتحدثون عن الانفصال مما يسهل اسكاتهم ، فالكرد لا يريدون ان يعلنون الاستقلال
اولا ً حتى لا يتهموا بالانفصالية ، و لكن يريدون من السنة ان يفعلونها اولا ً ثم
يأتى الكرد ثانيا ً ، فاذا ما نجح عقلاء العراق فى اسكات الانفصاليين السنة ، فأن
الكرد الانفصاليين سوف يصمتون الى حين .
الملحوظة الرابعة
ان اغلب فرقاء اللعبة السياسية فى العراق يتجاهلون حقيقةان الانتخابات الاخيرة
لمجالس المحافظات اظهرت ان الجيل الجديد من العراقيين بدوره ليس طائفيا ً و ان
العراق هو معقل العلمانية اليوم فى العالم العربي و ان فكرة جهاد الشباب العراقى
لاقليم سني او شيعي هو امر بالغ الصعوبة مع هذا الجيل الجديد .
اما عن موقف ايران
مما يجرى فهو غامض بعض الشئ ، فايران بطبيعة الحال لن يعجبها تفتيت الكعكعة
العراقية الى جمهورية سنية و اخري كردية ، ثم ان هذه الفكرة سوف تغدي الافكار
الانفصالية لعرب و كرد ايران ، و فى نفس الوقت لن ترضى ايران بإزاحة المالكي لصالح
علاوي ، و فى نفس الوقت فأن ايران تريد ان يستمر التوازن الامريكي – الايراني فى
العراق منذ سقوط نظام صدام حسين .
ويذهب البعض
للتوقع ان ايران قد تستخدم تلك الانتخابات لكى ترسخ حقيقة ان الوفاق الامريكي – الايراني
فى العراق قد انتهي يوم خرجت امريكا من العراق بعار الهزيمة العسكرية ، و انه حال
الوقت لكى تلتهم طهران الكعكعة العراقية .
ختاما ً حتى بعد
الجلاء الامريكي فأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتوقف عن التآمر على العراق و
مستقبله ، سواء برعاية الانفصاليين فى شمال و غرب العراق او التوافق مع ايران
لاضعاف العراق العدو التاريخي لايران ، او زراعة ارهاب الاسلام السياسي فى غرب
العراق و تصديره لسوريا المجاورة ، بالاضافة الى الاصرار الامريكي على التعاون مع
الاخوان المسلمين فى كافة الدول العربية من اجل سيادة الارهاب و صناعة الدول
الفاشلة وتصدير موبقات هذا المشهد لاحقا ً الى الداخل الايراني ثم الداخل الروسي
والصيني .