يمكن تلخيص مشكلة اللغة العربية في أمر واحد : تعمقها الشديد, فهي لغة تريد وضع موازيات لغوية دقيقة لكل شيء في الحياة , مثلا العربية تحوي المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع, وهذا أمر نادر , ولغة كالإنجليزية مثلا, لا يوجد بها مذكر ومؤنث , ولا مثنى .. فهي لا تراعي الدقة الشديدة (أو التعمق) في الوصف , أو في وضع لفظ موازي مميز ودقيق لكل شيء في الحياة على حدة, وهكذا أغلب اللغات الحديثة , على عكس العربية, ولغات قليلة أخرى , التي لا تقبل أن توصف الطبيبة بنفس اللفظ والتركيب الذي يوصف به الطبيب , وهلم جرا .
والأمر لا يتعلق فقط بوضع موازيات لغوية أو لفظية مميزة للكينونات المختلفة في الحياة , بل في الاهتمام الشديد بالوضعية أو الحالة الخاصة الدقيقة للشيء المراد وصفه أو سبكه في سياق لغوي , أذكر مثالا على هذا منقولا (بتصرف) من كتاب دلائل الإعجاز للجرجاني , عن الفارق بين سؤال "أخرج زيد أم محمد؟" وبين سؤال "أزيد خرج أم محمد؟" , السؤال الأول صحيح (لغويا) والثاني خاطئ , لأن السؤال الأول عن (الخروج) , حيث دخلت أداة الاستفهام (أ) على فعل (خرج) , وبالتالي السؤال يستفهم عن الخروج ومن قام به ؟ زيد أم محمد .. في حين السؤال الثاني خاطئ لأن السؤال فيه عن (زيد) وحالته , حيث دخلت أداة الاستفهام (أ) على زيد حصرا, وبالتالي لا يمكن إقحام (محمد) في السؤال , بل الصيغة الدقيقة (الموافقة للسياق الواقعي الدقيق والمميز) تكون : "أزيد خرج أم لم يخرج؟" , حيث التركيز على حالة زيد من الخروج أو اللاخروج ,لا غير ..
القصد من كل هذا , هو جنون العرب بالدقة الهائلة , مما دفعهم لتضخيم لغتهم بعنف (لتتناغم مع الواقع المضخَّم) , وتمديدها وحشرها بكل الألفاظ والقواعد والصيغ والأساليب المتمايزة , وهذا له سبب ونتيجة :
السبب: انبهار العرب باللفظ والجملة واللغة على حساب المعنى والمضمون .. الأمر فقط لا يتعلق بـ (وضع موازيات لغوية دقيقة لكل شيء في الحياة) فهذه مجرد نتيجة لـ جعل اللفظ في مقام أهم من مقام المعنى , والاهتمام به وتلميعه وتفخيمه , حتى صار اللفظ هو متعة العرب وطربهم , ولم يعد شيء أعلى قيمة من البيان والفصاحة داخل الساحة العربية! (ومعجزة نبيهم المفدى, هي الفصاحة اللغوية المميزة عن غيرها!) , فاللفظ هو المحرك للمشاعر والقاضي في الخلافات , من له لفظ أفخم تصبح له يد عليا بين قومه , وبناء على هذا الاهتمام الشديد باللفظ (النابع من انعدام الحياة العقلية والعلمية عندهم), لم يسمح فخر العرب بأن تصبح المعاني أو المضامين أوسع من الألفاظ! , مثل ما تفعل الإنجليزية مثلا, في جعل اللفظ ضيق
(dancer for an instance) ,
والمعنى واسع (could mean a female dancer or a masculine dancer) .
أما النتيجة (نتيجة وضع موازيات لغوية دقيقة لكل شيء في الحياة) فهي شغل العقل بـ التوافه من الأمور .. فليس كل معنى أو شيء أو (وضعية) له\لها أهمية , وفي الغالب ذكر كل التفاصيل العملية وغير العملية للأمور يُشغِل العقل تلقائيا عن التركيز على جوهر الحدث أو الشيء (في مثال الطبيب الذي ذكرناه , لا تهتم الإنجليزية بجنس الطبيب , بل تهتم بأنه طبيب, وهذا جوهر الأمر, في حين تشتت العربية العقل بذكر تفاصيل ليس لها أهمية غالبا , تتعلق بجنس الطبيب , في الغالب ليذهب المريض الذكر لطبيب ذكر, والمريضة الأنثى لطبيب أنثى, فلا يحدث اختلاط!) , الأمر يتحول لمنهجية عقل (تافه) , محمل بالكثير من الأكبال والغيامات , عاجز عن (الترجيح) , ترجيح الشيء الجوهري على غير الجوهري , وهي عقلية العرب في كل زمان ومكان.
بقلم : Ebrahim Shohdy
والأمر لا يتعلق فقط بوضع موازيات لغوية أو لفظية مميزة للكينونات المختلفة في الحياة , بل في الاهتمام الشديد بالوضعية أو الحالة الخاصة الدقيقة للشيء المراد وصفه أو سبكه في سياق لغوي , أذكر مثالا على هذا منقولا (بتصرف) من كتاب دلائل الإعجاز للجرجاني , عن الفارق بين سؤال "أخرج زيد أم محمد؟" وبين سؤال "أزيد خرج أم محمد؟" , السؤال الأول صحيح (لغويا) والثاني خاطئ , لأن السؤال الأول عن (الخروج) , حيث دخلت أداة الاستفهام (أ) على فعل (خرج) , وبالتالي السؤال يستفهم عن الخروج ومن قام به ؟ زيد أم محمد .. في حين السؤال الثاني خاطئ لأن السؤال فيه عن (زيد) وحالته , حيث دخلت أداة الاستفهام (أ) على زيد حصرا, وبالتالي لا يمكن إقحام (محمد) في السؤال , بل الصيغة الدقيقة (الموافقة للسياق الواقعي الدقيق والمميز) تكون : "أزيد خرج أم لم يخرج؟" , حيث التركيز على حالة زيد من الخروج أو اللاخروج ,لا غير ..
القصد من كل هذا , هو جنون العرب بالدقة الهائلة , مما دفعهم لتضخيم لغتهم بعنف (لتتناغم مع الواقع المضخَّم) , وتمديدها وحشرها بكل الألفاظ والقواعد والصيغ والأساليب المتمايزة , وهذا له سبب ونتيجة :
السبب: انبهار العرب باللفظ والجملة واللغة على حساب المعنى والمضمون .. الأمر فقط لا يتعلق بـ (وضع موازيات لغوية دقيقة لكل شيء في الحياة) فهذه مجرد نتيجة لـ جعل اللفظ في مقام أهم من مقام المعنى , والاهتمام به وتلميعه وتفخيمه , حتى صار اللفظ هو متعة العرب وطربهم , ولم يعد شيء أعلى قيمة من البيان والفصاحة داخل الساحة العربية! (ومعجزة نبيهم المفدى, هي الفصاحة اللغوية المميزة عن غيرها!) , فاللفظ هو المحرك للمشاعر والقاضي في الخلافات , من له لفظ أفخم تصبح له يد عليا بين قومه , وبناء على هذا الاهتمام الشديد باللفظ (النابع من انعدام الحياة العقلية والعلمية عندهم), لم يسمح فخر العرب بأن تصبح المعاني أو المضامين أوسع من الألفاظ! , مثل ما تفعل الإنجليزية مثلا, في جعل اللفظ ضيق
(dancer for an instance) ,
والمعنى واسع (could mean a female dancer or a masculine dancer) .
أما النتيجة (نتيجة وضع موازيات لغوية دقيقة لكل شيء في الحياة) فهي شغل العقل بـ التوافه من الأمور .. فليس كل معنى أو شيء أو (وضعية) له\لها أهمية , وفي الغالب ذكر كل التفاصيل العملية وغير العملية للأمور يُشغِل العقل تلقائيا عن التركيز على جوهر الحدث أو الشيء (في مثال الطبيب الذي ذكرناه , لا تهتم الإنجليزية بجنس الطبيب , بل تهتم بأنه طبيب, وهذا جوهر الأمر, في حين تشتت العربية العقل بذكر تفاصيل ليس لها أهمية غالبا , تتعلق بجنس الطبيب , في الغالب ليذهب المريض الذكر لطبيب ذكر, والمريضة الأنثى لطبيب أنثى, فلا يحدث اختلاط!) , الأمر يتحول لمنهجية عقل (تافه) , محمل بالكثير من الأكبال والغيامات , عاجز عن (الترجيح) , ترجيح الشيء الجوهري على غير الجوهري , وهي عقلية العرب في كل زمان ومكان.
بقلم : Ebrahim Shohdy