اللى يشوف ثورات الناس التانية ..تهون عليه ثورته

 بداية ماحدث فى مصر منذ 25 يناير 2011 حتى نوفمبر 2011  لايمكن تسميته ثورة بواسطة أى محلل موضوعى يتسم بالحيادية فى الطرح  فمصطلح "ثورة" يعنى تغيير شامل فى بنية المجتمع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية كما حدث فى روسيا القيصرية 1917 أو ايران الشاه 1979 ( الثورتين الوحيدتين الكاملتين فى القرن العشرين بأكمله )  ، بينما النظام الحقيقى الحاكم فى مصر منذ يوليه 1952 مازال قائما بالفعل و لم يتغير فقط سوى اجبار أحد الرؤساء على التنحى عن سدة الرئاسة ، لا يوجد اختلاف جذرى بين ( عبدالناصر ، السادات ، مبارك ، طنطاوى و المجلس العسكرى ) فكلهم ينتمون للمؤسسة العسكرية التى تمسك بمقاليد الأمور فى مصر و تسيطر على كل مفاصل الدولة طيلة الستين عاما الماضية منذ الاطاحة بالملكية بعد انقلاب يوليو 1952 ، و ان اختلفت النكهات الشخصية التى أضافوها على فترة حكمهم طبعا بين مزاج جمال عبدالناصر الثورى القومى العربى أو شخصية السادات المسرحية و هواه الأمريكى أو بلادة مبارك الموظف الذى لم يكن يصلح محافظا للوادى الجديد و ليس رئيسا للجمهورية أو محاولات المجلس العسكرى المستمرة للحفاظ على امتيازات المؤسسة العسكرية بكل الطرق .

ملحوظة أخرى مهمة للغاية ، كلمة الثورة لا تعنى التغيير الايجابى فى حد ذاتها بل بعد تقييم نتائجها كما تخبرنا كتب التاريخ :

1-  الثورة الفرنسية 1789 أطاحت بالملكية و تحالف الكنيسة و الطبقة الأرستقراطية الحاكمة ، و أعدمت الملك و الملكة على المقصلة قبل أن يعدم زعماء الثورة الفرنسية بعضهم بعضا على نفس المقصلة ( مدام رولاند ، جورج دانتون ، روبسبير ) ابان عصر الارهاب و المذابح ، ثم أتت بجندى مغمور (نابليون بونابرت ) ليتم تنصيبه امبراطورا 1804 على كل فرنسا و لتنتهى الحقبة الجمهورية التى لم تستمر أكثر من 13 عام . و بعد هزيمة "بونابرت" الساحقة و النهائية فى معركة واترلو  و انتهاء طموحاته بغزو كامل القارة الأوروبية ، عادت ملكية آل بوربون مرة أخرى الى فرنسا العام 1815 و استمرت فى الحكم حتى العام 1848 و أعقبتها امبراطورية آل بونابرت مرة أخرى حتى العام 1870 !!

  2-  الثورة الروسية 1917  أطاحت بحكم القيصر و تم اعدام العائلة المالكة بالكامل ، و لكن لم يتم انشاء ديمقراطية بل دولة كانت من أكثر دول التاريخ  استبدادا و قمعا للحريات (الاتحاد السوفيتى)  تولى الحكم فيها أحد أكبر سفاحى التاريخ البشرى بأكمله  (جوزيف ستالين)  . بعد انهيار الاتحاد السوفيتى العام 1991 و حتى اللحظة لم تنشأ أى دولة ديمقراطية ليبرالية فى روسيا " كما نشاهد فى لعبة تبديل الكراسى بين فلاديمير بوتين و  ديمترى ميدفيديف " !!

  3-  الثورة الايرانية 1979  أطاحت بنظام الشاه ثم أتت بآيات الله الذى يحكمون البلاد بقبضة من الحديد و النار  نيابة عن صاحب الزمان الامام  الغائب المهدى ، و أصبح انتقاد النظام السياسى فى ايران ليس مجرد جريمة سياسية كما كان فى عهد الشاه بل أيضا اثما دينيا فى حق الاله نفسه ، و لم يتغير شىء فقد تم اطلاق الرصاص الحى و قتل المتظاهرين الذين اعترضوا على تزوير الانتخابات الرئاسية الايرانية الأخيرة 2009  !!

بشكل عام الثورات الكبرى أحداث قليلة فى التاريخ الانسانى ، و قلة فقط من هذه الثورات التى انتهت نهاية سعيدة . لربما لا توجد سوى ثورتين فقط لاغير فى كامل التاريخ الانسانى تستحقان الاشادة الكاملة و هما الثورة الانجليزية ( 1640-1688 ) ضد الحكم الملكى المطلق التى انتهت باقامة ملكية دستورية فى بريطانيا و نقطة انطلاق الامبراطورية البريطانية ، و الثورة الأمريكية 1776 ضد الملكية البريطانية "جورج الثالث" التى انتهت باقامة دولة "الولايات المتحدة الأمريكية " التى تتربع على قمة العالم منفردة بسبب تفوقها العلمى و الاقتصادى و الصناعى الذى لا يوجد له مثيل فى التاريخ البشرى  .

بخلاف ذلك ، ففعلا اللى يشوف ثورات الشعوب التانية ، تهون عليه ثورته ..
* اهداء الى كل من شارك فى الثورة المصرية 2011 و شعر بالاحباط بسبب ما آلت اليه