يوم الجمعة 22 مارس 2013 ، عاد لبنان الى صدارة نشرت الاخبار مجددا ً على ضوء استقالة رئيس وزرائه الرئيس نجيب ميقاتي ، لكى يضع فصل الختام لحكومته الثانية .
لبنان .. نموذج منفرد على مستوي العالم ، دولة يحكمها مجلس ادارة مكون من بعض الدول الاقليمية و الدولية الكبري ، تتغير حصة كلا ً منهم فى عدد المقاعد تباعا ً لمتغيرات الوضع الاقليمي و الدولي ، و يوجد لكل طرف اقليمي و دولي وكلاء محليين ، غير دائمين ، يتغيرون – ايضا ً - تباعا ً لمتغيرات الوضع الداخلي و الاقليمي والدولي.
ومع ذلك ، الوكلاء المحليين ، اى اصحاب البلد ، هم من اختيار هذا النظام يوما ً ما ، و هم من اختاروا استمراره ، فالتدخل الاجنبي فى لبنان صناعة محلية ، اذ يحاول كل طرف ان يغلب الطرف الآخر بما لديه من اتصالات وتواصل مع الاجنبي .
يخطئ من يظن ان الصراع فى لبنان طائفى ، هو طائفى فى المرتبة الثالثة ، و لكن المرتبة الاولي بلا منازع هى مصالح اقتصادية لشبكة من البرجوازيين ، يمتد نسبهم العائلى الى مئات السنين ، قبل ظهور لبنان بشكله الحالى على يد الاحتلال الفرنسي فى العشرينات من القرن المنصرم .
لكي يظل هؤلاء سادة للبلد ، ايا ً كان شكلها و جغرافيتها ، لابد ان يكونوا زعماء لطائفة ما ، و لحزب ما ، لذا تأتي السياسية فى المرتبة الثانية ، و الطائفة في المرتبة الثالثة ، السياسة وحدها هي التى تكفل لهؤلاء مقاعد دائمة بنسب متفاوتة فى البرلمان ، و الطائفة وحدها هى التي تكفل لهؤلاء الاستمرار فى هذه اللعبة .
ثلاثى الاقتصاد و السياسة و الطائفة صنع اكبر عملية توريث سياسي فى التاريخ الحديث ، لدولة ذات نظام جمهوري و لديها برلمان و دستور يقسم السلطة بين الرئاسات الثلاثة ..
الواقع الحالى فى لبنان هو ابن ثورة الارز ، ثورة الاستقلال الثاني ، يوم اغتيل الرئيس رفيق الحريري فى 14 فبراير 2005 ، ثم حدثت تطورات سياسية هامة ادت الى خروج سوريا عسكريا ً من لبنان و بقائها سياسيا ً ، و لكن إيران عبر حزب الله استطاعت ان تملأ الفراغ الذى خلفه رحيل سوريا و رفيق الحريري معا ً .
كما جرى فى العراق و فى افغانستان ، اخرجت امريكا عدو باهت لكي تصطدم بنفوذ ايراني اقوي بكثير من العدو الذى رحل ، و بحلول عام 2009 جرت الانتخابات البرلمانية بين الفريقين ، 14 آذار المؤلف من تيار المستقبل ( سعد الحريري ) والقوات اللبنانية ( سمير جعجع ) و الكتائب ( أمين الجميل ) و الاشتراكي التقدمي ( وليد جنبلاط ) و آخرين ، مقابل 8 آذار الذى يضم التيار الوطني الحر ( ميشيل عون ) والديموقراطي ( طلال ارسلان ) و حزب الله و حركة امل ( نبيه بري ) و آخرين .
انتصر 14 آذار فى الانتخابات ، و هكذا اصبح سعد الحريري المرشح الأول لتشكيل الوزارة اللبنانية الجديدة ، و لكن امريكا و السعودية و فرنسا كان لهم رأى آخر حول هذه الوزارة ، الا و هو ان تكون أداة تجذب سوريا من المعسكر الفارسي ، و تحاول – ايضا ً – جذب رجالات سوريا فى لبنان من الفريق الفارسي الى الفريق الموالى للغرب.
هكذا شكل الحريري الابن وزارته على هوى ميشيل عون و حسن نصر الله ، مما شكل حالة من الغضب المكتوم لدي سمير جعجع و امين الجميل حلفاء الحريري ، ثم بدأ الحريري الابن فى الخطوة التالية المطلوبة منه الا و هو الانفتاح على سوريا و زيارة دمشق و لقاء الرئيس بشار الاسد ، كلها خطوات فى اتجاه محاولة السعودية و الغرب جذب سوريا بعيدا ً عن المعسكر الفارسي .
ثم انتهي كل شئ فى ديسمبر 2010 و يناير 2011 ، قادت سوريا و رجالها فى لبنان عملية سلخ وليد جنبلاط عن 14 آذار ، فخسر الحريري الابن و رفاقه الاغلبية البرلمانية، و هكذا خسر الحريري رئاسة الوزارة ، و خرج من لبنان مقيما ً الى اليوم فى العاصمة السعودية الرياض .
هنالك العديد من العوامل خلف سقوط وزارة الحريري الابن بجانب رغبة جنبلاط فى ترميم علاقته بسوريا على حساب الحريري الابن و 14 آذار ، و لكن فى المجمل حمل الغرب و السعودية الحريري الابن ما يفوق طاقته ، و بدلا ً من مراجعة الأمر ، ينظر الكثير من ساسة الغرب و امراء السعودية الى الحريري الابن على اعتبار انه فشل فى مهمته ، بل و تمتد نفس الرؤية الى الرئيس فؤاد السنيورة الذى سبق الحريري الابن فى ترأس الوزارة اللبنانية .
شكل وقتذاك وليد جنبلاط جبهة النضال الوطني ، و وقف معه الرئيس ميشيل سليمان فى نفس الخندق السياسي ، و اختير نجيب ميقاتي للوزارة ، التى تشكلت من احزاب 8 آذار، و كان اللافت للنظر ان ميشيل عون الذى صدع السنيورة و الحريري الابن بمطالبه و شروطه خلال تشكيلهم للوزارات ، فعل المثل مع ميقاتي رغم ان الوزارة اصبحت وزارة اللون الواحد ، و لكن عون انخرط فى محاولات تحجيم حصة حليفه الماروني سليمان فرنجية و خصمه التاريخي وليد جنبلاط و اضعاف نفوذ الرئيس فى مجلس الوزراء كعادة محببة لعون الراغب دائما ً فى اضعاف الرئيس اعلاميا ً كخطوة من خطوات زحفه لمنصب الرئاسة منذ بداية ثمانينات القرن العشرين.
يمكن القول انه عقب تشكيل الوزارة كان هنالك اتفاق محلي و اقليمي ودولى على التهدئة و عدم تفجير الوضع السياسي ، لان الثورة الشعبية فى سوريا انقلبت الى حرب اهلية ، ثم دخل الاسلاميين على الخط و اصبحت البلاد تشهد تمردا ً اسلاميا ً ، جنبا ً الى جنب مع حرب اهلية ، و لعل الغرب قد رأى الأمر ذاته فى العراق ايضا ً ، فكلاهما – العراق و لبنان – اليوم معارك مؤجلة لحين وضوح الرؤية فى سوريا .
ولكن اقتراب لبنان من محطة 9 يونيو 2013 فجر الموقف مرة أخري ، و فى هذا اليوم تعقد الانتخابات البرلمانية اللبنانية ، حيث ترى قوي 8 آذار انها فرصة لتصفية ثأر هزيمة الالفين و تسعة ، و ترى قوي 14 آذار انها فرصة لتصفية ثأر اسقاط وزارة الرئيس الحريرى فى يناير 2011 .
فى لبنان و قبيل انعقاد الانتخابات البرلمانية ، يحدث جذب و شد بين الكتل البرلمانية الكبري من اجل اختيار قانون انتخابي يكفل لكل فريق كتلة برلمانية مريحة ، كل اربع سنوات يدخل لبنان هذه الدوامة ثم يتفق الفرقاء على قانون وسطي و تنتهي المسألة ، و انحصر الخلاف بين فرقاء لبنان على قانون الستين و مشروع القانون الأرثوذكسي .
لقد أجريت انتخابات 2009 وفقا للقانون المعروف بـقانون 1960 الذي يعتمد تقسيمات للدوائر الانتخابية تعود إلى ستة عقود خلت، ولقد رأى عون أن هذا القانون أعاد إلى المسيحيين حقوقهم التي هدرتها قوانين انتخابية سابقة، ولكن بحلول مطلع عام 2013 رمى عون بورقة جديدة قلبت اللعبة السياسية عندما تبنى مشروعا انتخابيا اقترحه أحد التجمعات المسيحية الأرثوذكسية القريبة من قوى 8 آّذار ( برئاسة نائب رئيس مجلس النواب الأسبق إيلي الفرزلي ) ، وهو يقوم على أن تجرى الانتخابات على أساس أن ينتخب اللبنانيون نوابهم استنادا إلى انتمائهم المذهبي، أي أن يحصر حق انتخاب أي من النواب في المنتمين إلى مذهبه حصرا، بمعنى آخر، جعل كل طائفة لبنانية تنتخب ممثليها في المجلس النيابي بصرف النظر عن التقسيم الجغرافي.
غير تأييد عون المقترح الذي سمي جوازا «مشروع القانون الأرثوذكسي» قواعد اللعبة بل حتى التحالفات، إذ سارعت أكبر الكتل المسيحية الحزبية المتحالفة ضمن «14 آذار»، وعلى رأسها حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية»، إلى تبني الاقتراح وتأييده حتى قبل أن تتشاور مع حلفائها من النواب والشخصيات المسيحية المستقلة، فضلا عن القوى ذات التمثيل الإسلامي الوازن في «14 آذار» كـ«تيار المستقبل».
كذلك أحرج موقف «القوات» و«الكتائب» الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط الذي كان يعد العدة للتحالف انتخابيا مع قوى «14 آذار» في دوائر جبل لبنان وبيروت والبقاع الغربي. وهكذا أدى طرح ما يسمى بـ«مشروع القانون الأرثوذكسي» إلى إرباك الوضع السياسي وإعادة خلط التحالفات، إذ غدا بعض «14 آذار» متحالفا مع بعض «8 آذار»، وبعض الوسطيين متحالفا مع بعض «14 آذار».
وهكذا «ضاع» اللبنانيون بين قانون ساري المفعول هو «قانون 1960»، وآخر هو «الأرثوذكسي» الذي يتمتع بأكثرية نظرية داخل المجلس النيابي لإقراره ولكنه يخالف روح الدستور حول العيش المشترك والتوافق الوطني الجامع الذي لا يستثني قوى لها تمثيلها الطائفي الوازن.
ولكن قوي سياسية اخرى تحركت و عرقلت جلسة تصويت لمجلس النواب اللبناني من اجل اعتماد المقترح الارثوذكسي ، و لعب رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه برى دورا ً رئيسا ً فى عرقلة انعقاد تلك الجلسة .
ثم اتت موقعة التمديد لـــ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ، حيث كانت قوي 8 آذار لا تريد التمديد للرجل ، على اعتبار انتمائه الصريح لــ 14 آذار من جهة ، و من جهة اخرى كشفه العديد من العمليات و المخططات السورية التخريبية داخل لبنان ، و اخرها قضية ميشيل سماحة ، كما كشف الجهاز الامني فى عهده عددا ً كبير من جواسيس اسرائيل داخل لبنان .
و امام رفض قوى 8 آذار لفكرة سن هيئة لــ الاشراف على الانتخابات و التمديد لــ اللواء اشرف ريفى ، قدم الرئيس ميقاتي استقالته ، لتتبعثر اوراق اللعبة اللبنانية، ويبدأ كل طرف فى تحسس موقع قدمه و خطوته المقبلة فى شرق اوسط ملتهب .
موقف السعودية و 14 آذار من الرئيس ميقاتي
حينما تولى ميقاتي رئاسة الوزارة اللبنانية ، تساءل البعض عن موقف السعودية تحديداً، فالرجل يعتبر من اهم رجالاتها فى لبنان ، و اذا به يصبح رئيس وزارة 8 آذار، القوى السياسية التى تقف فى المعسكر المضاد للسعودية ، و تعتبر اداة سوريا و ايران فى لبنان ، و لكن الايام اثبتت ان الرياض لم تكن بعيدة عن اختيار ميقاتي ، و ان هنالك اتصالات جرت وقتذاك بين الرياض و دمشق ، كان الغرض منها تخفيف حدة ما جرى فى بيروت ، و جرى الاتفاق على ميقاتي .
ولكن ما اغضب الرياض من وزارة ميقاتي لم يكن ميقاتي نفسه ، و لكن مكونات الوزارة، من كتلة جنبلاط الانقلابي ، و وزراء 8 آذار .
اما غضب السعودية و الغرب الاكبر فكان على وليد جنبلاط و انشقاقه المفاجئ ، يمكن القول ان غضب الغرب و الرياض من جنبلاط كان اكبر من ان يفكروا فى الغضب من ميقاتي ، بل اعتبروا ميقاتي افضل خيار وسط الانقلاب المفاجئ الذى تم فى بيروت .
اما سعد الحريري و رفاقه فى 14 آذار ، فقد نظروا الى الرئيس ميقاتي على اعتبار انه خائن و لم يتعامل بوفاء مع حلفائه .
ما خلف استقالة ميقاتي
و فى الواقع ان استقالة ميقاتي يقف ورائها مناورة سياسية من الرئيس ميقاتي و رئيس الجمهورية ميشيل سليمان بالاضافة الى وليد جنبلاط ، اذ رأى ثلاثتهم ان وزراء 8 آذار اصبحوا عبئا ً على الوزارة ، و انه يفضل استبدالهم بوزراء من 14 آذار ، على ان يبقى الرئيس ميقاتي فى منصبه ، و هكذا حينما قدم ميقاتي استقالته ، كان يظن مع سليمان و جنبلاط انه سوف يعاد تكليفه بالوزارة و لكن الرياض فاجئت جنبلاط تحديدا ً بانها لا تريد اغضاب الحريري و حلفائه اكثر من ذلك و ان هنالك فيتو صريح من 14 آذار على ميقاتي تحديدا ً .
من جهته يعرف جنبلاط جيدا ً انه عليه هذه المرة ان ينحاز الى الغرب و الرياض و 14 آذار و الحريري الابن ، لانه لو خذل هذا المعسكر هذه المرة فأنه سوف يكون قد اختار الفريق الآخر للأبد ، كما ان حسابات اليوم غير حسابات الامس ، و بالامس كان النظام السورى اقوي لاعب فى الساحة اللبنانية ، و لكن اليوم غبار الحرب الاهلية فى سوريا يطغى على حسابات جنبلاط ، و يرى ان الغرب اليوم يمتلك ناصية القرار فى لبنان ، و يكفى القول ان الرئيس تمام سلام هو اول رئيس يختار لتشكيل الحكومة اللبنانية من دون تشاور سورى منذ عام 1990 على الاقل .
انحاز جنبلاط للغرب و حلفائه ، من اجل ابداء الاسف و الندم على التحالف مع 8 آذار وتسمية ميقاتي ، و من اجل حجز مقعد له فى سدة تحالفات 14 آذار للانتخابات البرلمانية فى يونيو 2013 .
.........
.........
خلال اجتماعات 14 آذار ، كان هنالك حيرة فى اختيار خليفة لميقاتي ، فمن الجهة رئيس الوزراء المقبل لن يمكث طويلا ً ، و تكاد تكون مهمته الوحيدة هى اجراء الانتخابات ، لذا من غير المفضل ان يترشح الحريري او السنيورة الان ، و توصلوا فى بادئ الامر الى اللواء اشرف ريفى ، و لكن الحريري فى اتصال هاتفي مع جنبلاط فضح السر مما اغضب حلفائه فى القوات و الكتائب بعد ان ابدي جنبلاط وقتذاك رفضا ً علنيا ً لاشرف ريفى ، و هكذا اتت التوصية من الرياض بشخص وزير الثقافة الاسبق تمام سلام .
دولة الرئيس تمام سلام
يدير الملفات اللبنانية فى الرياض مدير المخابرات السعودية و مستشار الامن القومي السعودي الامير بندر بن سلطان ، السفير السعودي الاسبق بواشنطن ، و نجل ولى العهد و وزير الدفاع السعودي الراحل ، و رغم ان الصحافة اللبنانية تضخم من الدور السعودي فى لبنان ، و هو يستحق بالفعل ، الا ان الواقع يشير الى ان السعودية منذ فترة طويلة اصبحت تنفذ مطالب امريكية خالصة فى هذا الملف ، لاسباب داخلية تخص هرم السلطة الهرم فى الرياض ، و لاسباب اقليمية تتمثل فى سعي الرياض لتهدئة الساحة اللبنانية مع التركيز على الانفجار فى سوريا ، بالاضافة الى التوتر الحاصل بين الرياض و واشنطن على ضوء صعود الاسلاميين على حطام انظمة الربيع العربي .
لذا فأن من يدير الموقف الان فى 14 آذار بشكل واضح و صريح هم الامريكان ، على ضوء ترهل 14 آذار و فشلهم حتى الان فى دحر قوة حزب الله و ميشيل عون ، بالاضافة الى كبر سن العاهل السعودي مما يجعل رأس السلطة فى الرياض غير قادر على ابداء ملاحظات حول المشروع الامريكي لــ لبنان .
و لو كان الامر بيد الحريري الابن او السنيورة لما وافقا على تمام سلام قط ، خاصة الحريري ، الذى سبق و ان تلقى نصيحة من جنبلاط عام 2008 إبان البحث عن اختيار اسم لترؤس حكومة ما بعد مؤتمر الدوحة في انتظار الظرف السياسي المناسب لتولي الحريري هذا المنصب؛ إذ نصحه جنبلاط يومها قائلاً: «المهم ألا يكون مرشحك للرئاسة الثالثة بيروتياً، لأنه قد يصبح رئيس حكومة دائماً وليس مؤقتاً».
بل ان رفض تيار المستقبل لاعادة تكليف ميقاتي يأتى فى اطار التخوف من فقدان الزعامة السنية على ضوء نجاحات ميقاتي ، التى عددها جان عزيز فى جريدة الاخبار اللبنانية – الثلاثاء 2 ابريل 2013 :
أصاب نجيب ميقاتي، إذاً، كل الأرقام:
طرابلسياً، ترك أشرف ريفي يذهب إلى البيت، وهو «مُفضل» عليه مرتين. مرة أولى حين جاء به لواءً في حكومته الأولى، ومرة ثانية حين ذهب «من أجله» بحكومته الثانية، ليكسب به ــــ ومن دونه ــــ الثالثة.
سنّياً، بات يحق له أن يتحدى الحريري والسنيورة معاً: ماذا حققتما لأهل الجماعة، وعجزت أنا عن تثبيته، في مقابل ما عجزتما أنتما معاً عن تحقيقه، وأنجزته أنا بمفردي وبصورة غير مسبوقة؟ والجردة هنا طويلة ثقيلة لصالح الطرابلسي في وجه الصيداويَين: المحكمة الدولية كدتما تخسرانها فموّلتها. شهود الزور كادوا يطيحونكما فأقفلت ملفهم نهائياً. موظفوكما السنّة في مفاصل الإدارة كانوا يترنحون فثبّتهم وجعلتهم أباطرة لا يُمسّون. اقتراح «الأرثوذكسي» لم تتمكّنا حتى من ضبط حليفيكما، الجميل وجعجع، حياله، فأسقطته. الزواج المدني اضطررتما لمسايرته، خلافاً لشرعنا ولحقيقة تعصّبكما ضده، فصددته أنا لوحدي، حتى أنني قمعت وزيراً عونياً تجرأ وسأل عنه في مجلس الوزراء. مئات إخوتنا الإسلاميين تركتماهم في غياهب سجن روميه، فيما شادي المولوي حرّرته أنا في غضون أيام، ومن قيود الاستخبارات الأميركية نفسها. أُربكتما وأَربكتما معكما أهلنا طيلة أعوام في تحديد معادلة الطائف وموقع رئيس الحكومة فيها، بينما أنا دفنت الطائف وانقلبت على كل معادلاته وأعلنت نفسي، خلافاً للميثاق كما للدستور، رئيساً للسلطة التنفيذية، مطيحاً بموقع الوزير والرئيس معاً، وهما راضيان ضاحكان. وأخيراً، استحققتما بالانتخابات حكومتين، فأسقطهما حزب الله وأسقطكما معهما، أما أنا فسرقت منه حكومة بلا انتخابات ولا من ينتخبون، وأسقطتها له وأسقطته معها.
.........
.........
خلال مشاورات 14 آذار لتسمية مرشح لرئاسة الوزارة ، ترددت اسماء خالد قباني وغالب محمصاني ، و رفض الحريري الابن قباني لنفس السبب .. الحفاظ على عباءة الزعامة السنية خاصة فى المحيط البيروتي .
و فى نفس الاطار فكر جنبلاط فى عدنان القصار اذا ما كانت الامور تتجه الى حكومة تكنوقراط ، و لكن ذلك لم يحدث
صناعة الفراغ فى لبنان
استقال ميقاتي ، و معه انتهت ولاية اشرف ريفى اذ جرى يوم الاحد 31 مارس 2013 في مقر المديرية العامة لقوى الامن الداخلي في الأشرفية، حفل تسليم وتسلّم بين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي حيث خلفه العميد روجيه سالم بشكل مؤقت.
بعد تقاعد ريفي، سيبقى العميد روجيه سالم مديراً عاماً بالوكالة حتى تعيين بديل أصيل له، او إحالته على التقاعد قبل نهاية يونيو 2013 ومجلس الوزراء سيكون عاجزاً عن تعيين وكيل للوكيل، وبالتالي، لا خليفة لسالم إلا اللواء علي الحاج، الضابط الأعلى رتبة في المديرية ، و تسلم على الحاج المسئولية فى الامن الداخلى امر غير مرغوب فيه من قبل فرقة 14 آذار .
بالاضافة الى منصب رئيس الوزراء و مدير الامن الداخلى ، وصل للاجهزة الامنية اللبنانية معلومات عن مخطط لاغتيال الرئيس نبيه برى رئيس مجلس النواب ، و العماد جان قهوجي قائد الجيش ، علما ً بأن ازمة التمديد لقيادات عسكرية سوف تطال قهوجي خلال اشهر ، كما طالت مدير المخابرات الحربية العماد ادمون فاضل ، و لولا قيام وزير الدفاع فايز العصن بالتمديد للعماد فاضل – بدعم صريح من سليمان فرنجية – رافضا ً ضغوط عون و مداخلاته السافرة فى المؤسسة العسكرية لربما شهدت المؤسسة العسكرية اللبنانية ازمة عاصفة .
الفراغ فى لبنان سوف يطال قريبا ً منصب رئيس الجمهورية ، على اعتبار ان ولاية ميشيل سليمان تنتهي فى مايو 2014 .. وقتذاك لن يتنازل 14 آذار عن الدفع بـــ سمير جعجع و لن يتنازل ميشيل عون عن دفع 8 آذار لترشحه ، و ربما يحدث تناحر داخل كل معسكر على حده ، فلا موقف الكتائب و آل الجميل من ترشح سمير جعجع معروف ، و لا موقف تيار المردة و آل فرنجية من ترشح ميشيل عون معروف .
وسط صناعة الفراغ الجارية ، يفضل حزب الله ان يتم التمديد للمجلس النيابي الحالى ، بل و ربما لرئيس الجمهورية كذلك ، و هو امر مرفوض لــ 14 آذار ، و لكل اللبنانين ما عدا جمهور حزب الله .
لعل عوامل الفوضى تضاف الى عوامل الفراغ لكي تشكل مشهدا ً مخيفا ً لمستقبل لبنان اذا ما لم يتنبه زعمائه المتناحرين الى ذلك ، لبنان يضم يوم استقال ميقاتي مليون لاجئ سوري يستهلكون موارد لبنان فى مجال الطاقة و المياه و الغذاء ، بالاضافة الى الانفلات الامني و التوتر فى طرابلس و تصاعد صوت التطرف الاسلامي السني السلفى ، والازمة الاقتصادية ..
كل هذه العوامل تشير الى ان لبنان ينتظره ايام صعبة من الفوضى و الفراغ ما لم يسارع الى لجم مكونات الازمة .
خارطة الخلافات الجديدة – القديمة
و لعل غموض الموقف بين جعجع – آل الجميل ، و عون – آل فرنجية ، يفتح الباب لمعرفة الخلافات الجارية فى الموقف السياسي اللبناني الان ..
على المستوي الدرزى هنالك تنسيق بين وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي و الامير طلال ارسلان رئيس الحزب الديموقراطي ، يدرك ارسلان حقيقة انه خسر كثيرا ً بخروج سوريا من اللعبة ، و يعرف جيدا ً ان السوريين احتفظوا به و حافظوا على نفوذه من اجل تهديد جنبلاط اذا ما حاول الخروج عن نهج دمشق ، و اليوم لا دمشق و لا آل الاسد موجودين لدعم ارسلان ، و بقى الطريق الوحيد للحفاظ على مقعده البرلماني هو التنسيق مع آل جنبلاط .
ولكن رجالات الحزب الديموقراطي يرون فى سياسة ارسلان انبطاح لجنبلاط ، و انه يهدر تاريخ آل ارسلان امام جنبلاط بلا داع ، و لكن المؤكد انه لا جنبلاط او ارسلان يريد ان يحدث اي نوع من انواع التناحر داخل الصفوف الدرزية فى هذا التوقيت الصعب .
وفى الواقع ان وليد جنبلاط فى هذه المرحلة يمد بصره الى داخل الاراضى السورية ، وراح يحث دروز سوريا على الانقلاب على سلطة بشار الاسد ، رغبة منه فى ان يظهر بدور زعيم دروز الشام الذى استطاع دعم الثورة السورية – المدعومة غربا ً و سعوديا ً – بالورقة الدرزية ، كما ان احلام جمهورية الدروز لست بعيدة عن فكر جنبلاط ، و لكن جنبلاط بالغ فى مطالبه لدروز سوريا بالانقلاب على بشار الاسد الى درجة هدر دم اى درزي يعمل مع نظام الاسد ، مما تسبب فى خلاف مع شيخ طائفة عقل الموحدين الدروز الأول في سوريا حكمت الهجري و شيوخ الدروز فى السويداء .
الأمير جهاد الأطرش قال "على حدّ علمي لا وجود لمفتٍ للدروز، شكراً وليد جنبلاط على هدر دمنا" ، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان ناصر الدين الغريب قال " هدر دماء الدروز كلام يتناقض مع الدعوة إلى جمع الشمل، والبعد عن المشاكل الداخلية، كما أننا نهيب بأبنائنا في سوريا أن يكونوا دائماً في الخندق العربي المعهود، وأن يقفوا إلى جانب الجيش العربي السوري».
بجملة واحدة، هدر وليد جنبلاط دماء أكثر من 500 ألف درزي في السويداء وصحنايا وجرمانا وقرى الجولان والقنيطرة .. علما ً بأن كل عائلة درزية في السويداء لها جذور في لبنان .
.........
.........
مارونيا ً ، و داخل حزب الكتائب ، هنالك اختلاف فى وجهات النظر بين سامي امين الجميل ، و نديم بشير الجميل ، كلاهما ابن رئيس سابق ، ابناء عمومة ، و لكن الفارق ان سامي والده على قيد الحياة ، و يدير هذا الجناح العائلى بنفسه .
امين الجميل و ولده وافقا على المشروع الارثوذكسي ، بينما نديم الجميل خرج يهاجم المشروع و يقول انه قانون رستم غزالي ، هذا التصريح استدعى سريعاً جلسة تأديبية لنائب الأشرفية في البيت الكتائبي فى بكفيا ، حيث حصلت مشادة بين الأخير والرئيس الجميل، انتهت بطرد نديم خارجاً.
.........
.........
سنيا ً غضب الحريري الابن فاق الحدود ، فالزعامة السنية تتسرب من بين اصابعه ، تارة للرئيس السنيورة وتارة للرئيس ميقاتي و ثالثة للرئيس سلام الابن ، كما ان خلافه مع رفاقه الموارنة يمكن ان يتصاعد فى اى وقت .
رغم ان الحريري الابن اعلن من قبل انه يؤيد مسعي جعجع للرئاسة عام 2014 ، الا ان جعجع و آل الجميل و باقى موارنة 14 آذار لن ينسوا للحريري الابن انه اخطأ ثلاثة مرات بحقهم ، مرتين حينما امتثل لشروط خصمهم اللدود ميشيل عون فى التشكيل الوزارى الخاص بوزارة السنيورة ما بعد اتفاق الدوحة ، ثم خلال تشكيل وزارة الحريرى الابن نفسها ، اما المرة الثالثة فكانت حينما عارض المشروع الارثوذكسي .
و لكن يظل سنة 14 آذار هم الخيار السني الوحيد لموارنة 14 آذار ، و اغلب مسيحين لبنان عموما ً يرون الى هذا الفريق السني انه صوت الاعتدال على ضوء تصاعد الصوت السلفى المتطرف فى البلاد .
موقف 8 آذار من الرئيس سلام الأبن
و فيما يخص موقف قوي 8 آذار من تكليف تمام سلام بتأليف الوزارة الجديدة ، ابدي حزب الله و التيار الوطني الحر موافقة على سلام الابن ، على اعتبار ان يشكل وزارة ائتلافية لا يغلب عليها اللون الواحد ، و سرب مصدر من التيار الوطني تهديد صريح بالنزول للشارع حال تشكيل وزارة مؤلفة من 14 آذار و جبهة النضال ( وليد جنبلاط ) و رجالات ميشيل سليمان و تمام سلام ، و فى نفس الوقت لم يعارض عون و حزب الله كثيرا ً هذا الاختيار على اعتبار انها معركة شبه خاسرة باعتبار ان عمر تلك الحكومة يقاس بالاسابيع .
بالنسبة لحزب الله ، وافق دون تردد على المرشح السعودي المدعوم من 14 آذار لشغل مقعد الرئاسة السنية رغبة منه فى فض الاحتقان السني – الشيعي المتمدد محليا ً و شاميا ً و اقليميا ً وخصوصاً بعدما تفاقمت الحوادث المذهبية في البقاع والشمال وصيدا ، لذا يسعي حزب الله الى تفريغ الشحن الطائفى و ارضاء الطائفة السنية ، و بكل تأكيد يقف وراء هذا التوجه ايران التى تتحسس اليوم خطواتها جيدا ً ، ايران تدخل محطة الانتخابات الرئاسية بكل ما فيها من صراع داخلي و احتمالات النزول الشعبي للشارع و تحفز الغرب لاصطياد تلك الفرصة ، كما ان ايران منشغلة بالحرب السورية ، و لن تستفيد شيئا ً من اغضاب الطائفة السنية فى لبنان او اغضاب السعودية او حتى الغرب فى هذا الملعب من اجل حكومة سوف تستمر لبضعة اشهر فحسب .
كما ان صعود الصوت السني السلفى الوهابي المتطرف على الساحة السورية يجعل 8 آذار قبل 14 آذار ، و ايران قبل الغرب ، يبحثون عن زعامات سنية معتدلة فى لبنان ، و يصرون على ان تكون قوية و تتصدر الساحة .
و لعل الموقف المبهم فى سوريا ساعد فى الانحناءة الايرانية و الموافقة الفورية لحزب الله على تمام سلام ، رغم ان الرجل اقرب الى الحريري الابن و 14 آذار من نجيب ميقاتي على سبيل المثال ، ولكن حزب الله – و حتى ميشيل عون – يفهمون حقيقة اكثر تأثيرا ً على مجريات الامور من الموقف الاقليمي الا و هي انهم لم يعدوا اغلبية بعد ان ارتمي جنبلاط فى حضن الرياض هذه المرة .
وزير الداخلية الاسبق سليمان فرنجية الحفيد رئيس تيار المردة هو الوحيد من زعماء 8 آذار الذى رفض تكليف تمام سلام ، قائلا ً فى بيان صحفى " إذ يحترم ويقدر النائب تمام سلام وعائلته الكريمة التي تربطنا بها علاقة عريقة ولكن اعلان ترشيحه من منزل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري كرس انتماءه الواضح الى فريق سياسي ".
ولكن صفحات التاريخ تحمل السبب ، فالرئيس صائب سلام والد الرئيس المكلف ، رفض توزير توني فرنجية – والد سليمان فرنجية الحفيد – حينما كان رئيسا ً للوزراء ، قائلا ً انه لا يجوز توزير ابن رئيس الجمهورية على اعتبار ان سليمان فرنجية الجد كان رئيساً للجمهورية اللبنانية وقتذاك .
.........
.........
هكذا يدخل لبنان مرحلة جديدة ، تبدو فيها الولايات المتحدة الامريكية عبر السعودية هى اللاعب الاقوي بل و يكاد يكون الوحيد فى لبنان ، على ضوء انشغال ايران بالساحة السورية و الانتخابات الرئاسية الايرانية ، بل و فى ضوء اضمحلال الجيل الحاكم فى السعودية ايضا ً ، مع دخول سوريا حربا ً اهلية ، و انكفاء مصر على نفسها بصراع داخلي مرير ، انفردت واشنطن بعملية خلع ميقاتي – الذى كانت تربطه علاقات اقوي مع لندن و كان محسوبا ً عليها – و تنصيب تمام سلام رئيسا ً للوزارة اللبنانية .
اما المملكة العربية السعودية فترى انها امام فرصة نادرة من اجل الظفر بالدور السورى فى لبنان ، محاولة لعب الدور المحايد فى صنع و خلع الحكومات و رعاية التوازنات اللبنانية الدقيقة ، و نجاح او فشل الرياض فى هذا الامر مرهون بشكل حكومة الرئيس تمام سلام .
الرئيس صائب سلام .. و الرئيس تمام سلام
شكل صائب سليم سلام ( 1905 – 2000 ) الوزارة اللبنانية اربع مرات فى عصر اربع رؤساء هم بشارة الخوري و كميل شمعون و فؤاد شهاب و سليمان فرنجية الجد ، كما شغل حقائب الداخلية و الدفاع و الزراعة و الانباء ( الاعلام ) ، عارض التدخل السورى فى لبنان و رفض تشكيل الوزارة اللبنانية عامي 1974 و 1975 ، و عرف بقربه لامراء آل سعود .
ابنه الرئيس تمام سلام مواليد عام 1945 ، تولى وزارة الثقافة لفترة ، و هو رجل اعمال، انتخب مثل ابيه عضوا ً بمجلس النواب اللبناني ، و خلال انتخابات 2009 كان حليفا ً لسعد الحريري فى بيروت .