ثورة السودان : الكلام النظرى شئ والتجربة شئ آخر

الربيع العربي هى تجربة العمر لهذا الجيل على مستوي العالم كله - و ما حركات احتلووا وول ستريت و اخواتها حول العالم الا تأثرها بمشهد ميدان التحرير على وجه التحديد كما قال العديد من صناع تلك الحركات بنفسهم - و بالتالى فان تكرار اخطاء نفس الثورات هو امر مثير للسخرية و الغثيان

و ما اعنيه بتلك الاخطاء هو الا نتفهم حقيقة ان كافة الانظمة على مستوي العالم ، سواء دول الربيع العربي ، او منطقة اليورو ، او حتى ولايات الانجلو ساكسون فى بريطانيا و امريكا الشمالية .. كلها بلا استثناء قد بلغت مرحلة اللارجعة .. و بالتالى فان الآمال العظمي للتغيير لم يعد لها اى مجال على ارض الواقع ، الا لما يرتزق بالحديث عنها ليل نهار فى كتبه و مقالاته و مقابلاته التلفزيونية و جلسة المصاطب الرقمية مثل الفيس بوك و تويتر و غيرها .. غير ذلك .. لم يعد لآمال التغيير الكبري مكان فى العالم

ليس معني ذلك الا يثور الشعوب .. فلا يعقل ان نطلب من الناس ان تموت فى صمت ، و لكن اصبح من السذاجة ان ارى كل تلك الحماسة المراهقة فى متابعة تلك الاخبار التى تكررت فى السودان وحدها خمس مرات منذ يناير 2011 حتى اليوم

دعني اخبرك ان كل الفرق فى السودان تعتبر نفسها منتصرة برحيل البشير ، حسن الترابي يرى فى البشير حاكم عسكري خذل الاسلاميين و سوف ينزل الاسلاميين بثقلهم حال رحيله ، و سوف نسمع تأوهات على غرار الميادين كلها كانت اسلاميين .. الخ

و العلمانيين يرون فى البشير اسلاميا ً يرتدي ثوب العسكر .. و سوف يظنون ان الثورة ملكهم ، علما ً بان البشير قضى على نفوذ تلك الاحزاب ، و لم يعد هنالك الا نفوذ واهن للشيوعيين و البعثيين شديد الشبه بالهزليات اليسارية فى مصر ، مع نفوذ ديني لحزب حزب الامة الصادق المهدي

و المؤسسة العسكرية صنعت لنفسها ثقل سياسي اسلامي و علماني ، متى اراد المناخ العام اسلاميين العسكري الاسلامي موجود .. متى اراد علمانيين العسكرى العلماني موجود

الحقيقة الاهم انه سوف تشتعل الدعوات الانفصالية وقت كتابة اى دستور ، او تشكيل حكومة انتقالية او برلمان انتقالى ، جمهوية السودان الوسطي مشروع معلن منذ سنوات ، التمرد فى الغرب ( دار فور ) و فى الشرق ( بورسودان ) و فى الشمال معروف ، السودان الحالى لن يبقى منه الا الخرطوم و بعض الاحياء المجاورة

كل هذا عبث يجرى على ضفاف منابع نهر النيل

دعك من حقيقة ان هنالك قوى اقليمية و دولية تنتظر لحظة انفجار السودان من اجل تنفيذ مخططات طال الانتظار لها .. دعك من حقيقة ثانية اهم هى ان السودان هو ثاني اهم دولة عربية بالنسبة لايران بعد سوريا و لدي ايران نفوذ و تعاون عسكري هنالك اكبر مما يتخيل البعض .. لا عجب ان تكرر النموذج السورى هنالك و لو بشكل مصغر .. فرقة من الحرس الثورى او حزب الله تتدخل ويبدأ الكرنفال

و مع ذلك من المستحيل ادانة الثورة ، لانها رد فعل عفوي و حتمي على الانهيار و الفساد ، و لكن ان تظن ، بعد ثلاثة سنوات من الربيع العربي و من احتلووا وول ستريت و من حركة غاضبون الاسبانية و نظرائها فى اليونان ان هنالك احلاما ً وردية سوف تتحقق .. فهذا هو الهراء بعينه

البشير قد يرحل .. و لكن جنرالات العميقة و اسلاميين موالين لقطر و ايران يلهثون من اجل رضا امريكا و نخبة علمانية هرمة ، هذا المثلث اياه موجود فى السودان .. تقسيم الى خمسة دول امر حتمي .. سوف يحدث بثورة او غيره خلال اقل من عشر سنوات .. هذا واقع السودان و لم يغيره اى ثورة من اى نوع

العالم فى اعقد حالات التشابك .. و فض هذا الاحتقان لن يأتى الا بحرب عظمي .. كل من فهم الواقع المعقد على ضوء الربيع العربي ثم الاشتباك الاقليمي والحروب الاقتصادية الروسية - الامريكية - الصينية فهم ذلك