محطات فى تاريخ الليبرالية : الثورة الإنجليزية الكبرى "الحرب الأهلية الإنجليزية"

بحلول القرن السابع عشر، أصبحت (الماجنا كارتا) أسطورة فى عقول الكثير من الإنجليز الذين اعتبروها رجوع للعصر الأنجلوساكسونى الذهبى و الحريات الإنجليزية فى عصور ما قبل الغزو النورمانى العام 1066، بينما كان الملوك الإنجليز من "آل ستيورات" يحكمون رعاياهم حكما مطلقا إنطلاقا من الحق الإلهى للملوك.

مما أدى فى العام 1628 إلى قيام البرلمان الإنجليزى بحرمان الملك (تشارلز الأول) من فرض أى ضرائب بدون موافقة البرلمان، وعلى الرغم من قبول الملك للقانون إلا أنه تحايل عليه بعد ذلك فى فرض رسوم و ضرائب بدون رجوع للبرلمان، و بعد مواجهة قصيرة مع البرلمان قام الملك بحله ليحكم حكما مطلقا طوال الفترة (1629_1640).

تمرد الإسكتلنديون ضد الملك (تشارلز) العام 1638 مما دفعه لتسيير حملة عسكرية هناك كلفته الكثير و فشلت فى النهاية، فاضطر لدعوة البرلمان العام 1640 للإنعقاد لفرض ضرائب لتمويل حملة عسكرية جديدة فى (إسكتلندا)، إلا أن البرلمان الإنجليزى رفض فرض ضرائب جديدة مما أجبر الملك على حل البرلمان بعد 3 أسابيع.
ثم اضطر لدعوة البرلمان مرة أخرى و أخيرة بعد قيام الإسكتلنديين بغزو شمال إنجلترا، قام البرلمان هذه المرة بفرض شروطه كاملة على الملك و منها دعوة البرلمان للإنعقاد كل 3 سنين و اشتراط عدم جواز حله إلا بموافقة البرلمان نفسه.

تصاعد صوت البرلمان الإنجليزى مهاجما سياسات الملك و مطالبا بإصلاح جذرى للشئون الدينية، و حق السيطرة على تعيين الوزراء، مما أغضب الملك و طالب بمحاكمة بعض أعضاء البرلمان.
و من ثم تطورت الأمور ليغادر العاصمة (لندن) بحثا عن الدعم فى الأقاليم، و اندلعت الحرب الأهلية الإنجليزية بين جيوش البرلمانيين و الملكيين و توسعت فيما بعد لتشمل الممالك الثلاث (إنجلترا، إسكتلندا، أيرلندا).

استمرت الحرب الدموية لسنين عدة، و انتهت بهزيمة ساحقة للملكيين بسبب سيطرة البرلمان على المدن الكبرى المهمة و على رأسها العاصمة (لندن) و أيضا قدرته على تمويل الحرب عن طريق فرض الضرائب مقابل إعتماد الملك على المساهمات التطوعية، و فى يناير من العام 1649 تمت محاكمة الملك (تشارلز الأول) بتهمة الخيانة العظمى.
رفض الملك الإعتراف بسلطة البرلمان فى محاكمته كونه يتمتع بحق إلهى فى الحكم لا يخضع فيه لبشر، لكن البرلمان كان له رأى أخر، و من ثم تمت إدانته و إعدامه، لتتحول (إنجلترا) لأول مرة فى تاريخها إلى جمهورية بعد أن تم إلغاء الملكية.

فى العام 1653، قام (أوليفر كرومويل) الرجل الأقوى فى كل الجزر البريطانية و الذى لعب دورا مهما فى هزيمة القوات الملكية و الإسكتلنديين و الأيرلنديين بإنقلاب عسكرى و حل البرلمان، و عين نفسه وصيا و حاكما مطلق الصلاحيات للكومنولث البريطانى (إنجلترا، ويلز، إسكتلندا، أيرلندا).
لكن بعد وفاته العام 1658، سرعان ما عادت الملكية مرة أخرى على يد الملك (تشارلز الثانى) ابن الملك (تشارلز الأول) الذى تم إعدامه.

لكن رغم عودة الملكية، فإن البرلمان و ليس الملك كان هو المسيطر على الكنيسة، واحتفظ البرلمان أيضا بحقه في السيطرة على الضرائب، و اضمحلت سلطة الملك وهيبته إلى درجة أن البرلمان في العام 1688 استطاع أن يخلع الملك (جيمس الثاني) أخو الملك (تشارلز الثانى) و ابن الملك (تشارلز الأول)، ليحل محله الملك (ويليام الثالث)فيما يسمى ب(الثورة المجيدة)، و كانت هذه بداية عهد الملكية الدستورية الإنجليزية و من ثم البريطانية.