حمد يتنحي .. ماذا يجرى فى قطر .. و لماذا ؟


فاجئت رويترز جمهورها فى 10 يونيو 2013 بنبأ تأهب قطر لتنحية رئيس وزرائها حمد بن جاسم آل ثاني لحساب ولى العهد الامير تميم بن حمد آل ثاني ، فى خطوة اولى يعقبها تنحي الامير نفسه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لصالح ولى عهده .
و لعل الجديد فى النبأ هو ان هذا السيناريو سوف يتم فى الاسابيع المقبلة و قبل نهاية سبتمبر 2013 ، بينما تقارير اخرى اشارت الى ان موعد هذا التغيير سوف يكون عام 2016 ، فماذا جري ؟
بالطبع السبب الأول الذى سوف يذهب اليه المفكر العربي – دائما ً و ابدا ً – هو ان يضع الشيخة موزة فى جملة مفيدة ، اذ يعشق المفكر العربي دائما ً و ابدا ً الايحاء بان موزة هى الحاكمة الفعلية لقطر ، و لكن بعيدا ً عن النخب العربية الساقطة ، نقرأ من كتاب " قطر .. أسرار الخزينة "
QATAR - LES SECRETS DU COFFRE-FORT
لكلا ً من كريستيان تشيسنو وجورج مالبرونو
CHRISTIAN CHESNOT, GEORGES MALBRUNOT
يوضح الكتاب الذى قام بدراسة داخل الاسرة القطرية الحاكمة الى سعي الامير القطري للتنحي عام 2016 ، و انه سوف ينحي رئيس وزرائه العتيد قبل هذا التاريخ ، و يشير الكتاب الى ان الشيخة موزة ترفض فكرة تنحي الامير لصالح ابنها سواء عام 2016 او فى اى وقت ، و انها مع استمرار زوجها فى الحكم مدي الحياة .
اذن القرار و ان كان يأتى فى صالح ابن الشيخة موزة ، الامير تميم ، الا انها لا توافق عليه ، و يتضح من الكتاب الفرنسي ان القرار نابع من فكر الامير حمد ، و لكن لماذا يتنحي الامير و يترك السلطة بهذا الشكل ، و لماذا قرر ان ينحي معه رئيس وزرائه العتيد ؟
فى الواقع ان تخلص قطر من رئيس وزرائها كان امرا ً واضحا ً منذ ان اندفع الرجل و دفع قطر لمعاداة المحور الايراني فى المنطقة ، متخطيا ً خطا ً احمر نهجه امير البلاد بأن تكون قطر و لو ظاهريا ً مع المحور الايراني / السورى بالمنطقة ، ولكن رئيس الوزراء اخترق هذا الخط بقوة ، و شاع فى المجالس السياسية فى المنطقة العربية طيلة العام المنصرم ان بيت آل ثاني منقسم بين امير البلاد الذى يريد تهدئة الموضوع فى سوريا و مع ايران ، و رئيس الوزراء الذى يرى حتمية التخلص من النظام السورى و الظفر بجمهورية سنية فى الشام .
بالطبع خذل الغرب تطلعات الجناح المحافظ داخل آل ثاني و الذى كان يتصدره رئيس الوزراء ، و بدا واضحا ً ان الازمة فى سوريا خرجت عن تطلع تكرار النموذج الليبي ، واصبح واضحا ً ان هنالك "امر ما" يراه الغرب لصالح سوريا ، و بالتالى على الدوحة ان ترمم علاقتها مع ايران و سوريا فورا ً ، لحسابات اقليمية بناها امير البلاد طيلة عقود ، لذا كان يجب التضحية .. و الان .. بالشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء و وزير الخارجية.
كان يمكن ان يتم هذا السيناريو خلال العام الجارى ، و لكن تم تسريع الامر على ضوء حادث مفاجئ جرى فى طهران ، الا هو الكشف عن خلية ارهابية كانت تنوي القيام بتفجيرات يوم الجمعة 14 يونيو 2013 الذى يوافق عقد الانتخابات الرئاسية الايرانية ، و وجهت ايران توبيخا ً علنيا ً لقطر حيال هذا الامر ، و بالتالى اصبح على الدوحة ان تسارع بعملية ترميم العلاقات مع طهران بعد الفضيحة الاخيرة .. هكذا تم ابلاغ ايران و السعودية و الولايات المتحدة الامريكية خلال الايام الاخيرة بخطة نقل السلطة .
هذه كانت اسباب التخلص من حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ، رئيس الوزراء العتيد و وزير الخارجية القطري ، و لكن لماذا لا يتخلص منه الامير و يبقى فى العرش ؟
ان خارطة الاجنحة داخل آل ثاني متسعة للغاية ، و كلها متصارعة ، و قد شرحت هذه الاجنحة و زعمائها و جذورهم بالتفصيل فى كتابي "الزمن القطري .. المعلوم و المجهول فى صعود دولة قطر" ، و يكفى القول ان ثلاثة من ابناء الامير غير راضيين على كل ما تفعله الدوحة فى عهد ابيهم ، لذا فأن الامير يعرف جيدا ً حجم المخاطر و التحديات التى سوف يواجهها ابنه تميم ، و يفضل ان تجري تلك الامور بينما الوالد على قيد الحياة ، يشاهد و يمنع و يؤثر من خلف الستار فى تثبيت سلطة ابنه البالغ من العمر ثلاثة و ثلاثين عاما ً .
بالاضافة الى ذلك ، الامير مريض بالفعل ، بل ان زوجته الاولي و الثانية ، و كلاهما بنات اعمامه ، طلبا ذات يوم من عمهم ، خليفة بن حمد و كان حاكما للبلاد ، ان يعزل زوجهم حمد من الولاية لصالح احدي احفاده لان حمد مريض ، و بالتالى فان فكرة عزل/تنحي حمد عن العرش لمرضه فكرة تتردد فى بلاط آل ثاني منذ اوائل الثمانينات على الاقل ، و فى اقل من عامين خسر حمد 40 كيلو جراما ً من وزنه ، و احدي كليتيه ، و اجزاء من امعائه بحسب الكتاب الفرنسي .
و بالفعل يبدو الموقف غامضا ً ، حول شخصية ولى العهد و رئيس الوزراء و وزير الخارجية الجدد بجانب الامير الجديد ، و دور والدته من خلف الستار ، اذ ان موزة لن تصبح ملكة قطر المتوجة ، بل سوف يكون هنالك زوجة ابنها ، التى تنتمي الى آل ثاني.
السياسة الخارجية لقطر على المحك ، فالابن من التيار المحافظ داخل الاسرة ، على عكس حمد و موزة الذين يعتبرا قادة الجناح المنفتح داخل الاسرة ، بينما الابن مقرب للاخوان المسلمين و ايران و بالتالى فأن هنالك مخاوف على التجربة القطرية التى اوصلت هذه البلد الى ان اصبح قطبا ً اقليميا ً ، صنع ازمة سياسية تحكم الان فى دول بثقل مصر و ليبيا و تونس.
كما ان الاجنحة الداخلية فى الاسرة ربما لا تصمت ، و داخل الجيش ، وربما يحدث تحرك او اكثر حيال الامير الجديد الشاب ، خاصة ان البديل جاهز منذ سنوات ، اخ الامير الحالى منفى فى فرنسا ، و ابن الامير الاسبق منفى في السعودية ، بل ان الامير السابق نفسه جاهز ، و ثلاثة من ابناء الامير الحالى مستعدين لنسف ترتيبات والدهم متى اتت الفرصة ، و غيرها من الاجنحة و الشيوخ و الامراء كما شرخ فى الزمن القطري
ولكن المشكلة ان حمد ليس امامه خيار آخر ، فهذا الابن هو الرابع ، بعد ان عزل ثلاثة من ابنائه من ولاية العهد بسبب وهابيتهم و تأسلفهم كما شرحت فى الزمن القطري ، و بالتالى اما هذا الابن او فراغ و فوضى داخل بيت آل ثاني ، و الزمن لم يعد فى صالح حمد الذى يلتهم المرض روحه و جسده يوما ً بعد يوم .
ختاما ً .. عجيب امر تلك العائلة ، لا يوجد حاكم فيهم مات على فراشه الا معزولا ً او مخلوعا ً .. كأس مر عبر قرنين من الزمن .. موجود على مسند عرش قطر .. يعرف كل ساعى لهذا العرش ان هذا الكأس جاهز له .. و سوف يتجرعه يوما ً ما ، و ها قد اتى الدور على حمد بن خليفة آل ثاني ليتجرع كأس التنحي عن العرش.