ماذا تعلمت من مايكل جاكسون

أه طبعا.. ما واحدة ضد الاخوان لازم تبقى بتاعة مايكل جاكسون ولا عياذ بالله

هي دي بالظبط القضية، وهو دا السبب اللي هاكتب عشانه. خلوني أعرف اتنفس بقى وازيح الهم من على كتافي شوية. عايزين تعرفوا ليه أنا بادافع باستماتة عن مدنية الدولة والمساواة وحقوق الانسان والحريات؟ لأني ببساطة عانيت من الاضطهاد

نعم، عانيت من الاضطهاد
منذ صغري تأثرت بشدة بموهبة هذا الفنان الامريكي من اصل افريقي. موهبة لم أجد لها مثيل. ابهار في الموسيقى والحركة والغناء والرقص والملابس. كان مبدعا فريدا من نوعه، له اسلوبه الخاص شديد التميز، لم يكن مقلدا ومهما قلده الغير يظل هو فارقا كثيرا عنهم. اعجابي الشديد بموهبته دفعني لمعرفة المزيد عنه، وجدته اكثر عبقرية على المستوى الشخصي ولديه حب للعطاء والعمل الخيري بشكل غير عادي. تأثرت به أكثر حين تعرفت على فلسفته وقرأت سيرته الذاتية "مون ووك"  أو السير على القمر، وهي اسم اكتر حركة اشتهر بتأديتها في رقصاته. كما قرأت أشعاره وخواطره

مايكل جاكسون كان يكتب اغلب اغانيه ويلحنها بنفسه ويقوم بتوزيعها بصوته لأنه لم يكن يجيد قراءة النوتة الموسيقية. لم يتلقى تعليما تقليديا، فقد انضم لفريق اخوته منذ أن كان عمره 5 سنوات وسجلوا أول اسطوانة وعمره 10 سنوات. لذلك كان من الصعب أن يجمع بين دراسته وعمله، مع ذلك صمم أن يعلم نفسه بنفسه وكان قاريء شديد النهم، يقرأ في كل الافرع. كما انه كان جادا جدا في عمله وينشد الكمال في كل ما يقوم به

كل ذلك لم يشفع له.. أو لي! فقد كلفني اعجابي به الكثير خلال سنوات حياتي، خاصة خلال فترة المراهقة، حين يبدأ المراهقون في بناء ذواتهم على حطام هدم ذوات الغير. بدأ الاعلام الاجنبي في رسم صورة مشوهة لمايكل سرعان ما انتقلت حول العالم مع شهرته الواسعة. فجأة تحول نجاحة وشهرته الغير مسبوقة إلى نقمة تطارده وتحيل حياته إلى جحيم. ومع وجود المد المحافظ في المجتمع لم يكن اولياء الامور يرحبون بأن يتأثر اولادهم وبناتهم بنجوم الغناء الاجانب، خاصة مايكل جاكسون، الذي كثرت حوله الاشاعات بسبب عمليات التجميل وتغير لون بشرته وصوته الناعم احيانا وشعره الطويل وحركاته الراقصة والتي صارت تعد خلاعة ومجون. إلى جانب كل ذلك كانت هناك قضايا التحرش بالاطفال، والتي لم يستطع الاعلام بعد تضخيمه لتفاصيلها بهدف الاثارة وزيادة المبيعات أن يقنع الرأي العام أن هذا الشخص حقا بريء، رغم صدور احكام له بالبراءة في 13 تهمة تم توجيهها له في القضية الثانية والاخيرة من هذا النوع

بالطبع كنت مادة ثرية لكل من كان يحقد على تميزي وتفوقي الدراسي. تعلمت الصلابة من كثرة التهكم. وتعلمت أيضا ان البشر اغبياء بالسليقة! ومن السذاجة محاولة اقناعهم بالعقل والمنطق أن ما يعتقدونه خطأ. كان هناك من هم مقتنعون تماما ان ملك البوب قد قام بتغيير لون بشرته من الأسود إلى الأبيض! وحين كنت اناقشهم بالعلم كانوا يقهقهون وهم يرددون أجهل ما يمكن أن يصدقه بشر! ومع الوقت تعلمت ألا اهدر طاقتي على هؤلاء، وتعودت أن اكتفي بطرح وجهة نظري واتوقع التهكم في المقابل. كانت هناك حاجة ملحة بداخلهم تصرخ بأنهم يريدون هذا الانتصار التافه، وكأنه يمثل الكثير بالنسبة إليهم، يزيد الارض التي يقفون عليها صلابة، يؤكد أنهم ليسوا بحاجة لبذل أي مجهود لتحصيل المعرفة فمجلات الارصفة المصورة الطريفة تغني عن الكتب الكئيبة التي ادفن نفسي فيها

ظل الاضطهاد يلازمني اينما ذهبت، ولم يفهم أحد سر عدم استسلامي لهذا الابتزاز الرخيص. كانت لي حياة أخرى اكثر ثراء. انضممت لنادي محبي مايكل جاكسون العالمي، واكتشفت انهم يشتركون في العديد من الصفات ومروا بتجارب مماثلة برغم تباين اللغات والثقافات. لي اصدقاء في كل البلاد، لا يوجد بقعة على ظهر هذا الكوكب تخلو من اصدقاء لي عرفتهم منذ زمن المراسلة بالخطابات والطرود التي تأخذ اسابيع طويلة لتصل من مكان لمكان. مشوار مايكل جاكسون الفني امتد لاربعة عقود، مما يعني أننا من اجيال مختلفة، كلهم تأثروا بنفس الشخص ولمسوا في شخصيته ما لمسته من تميز

مايكل جاكسون كان يعشق محبيه كما يعشقوه، ويبادلهم احترام باحترام. لم يتعالى يوما عليهم. كان يحتفظ بكل خطاباتنا وهدايانا البسيطة التي ازدحم بها قصره. لم نتخيل ابدا أنه كان يحتفظ بها حوله في غرفة نومه لتؤنس وحدته. كيف عرفنا؟ من محاضر تفتيش الشرطة التي انتهكت حرمة بيته بحثا عن أي دليل يربطه بالتهم الموجهة ضده. ثم بعد وفاته تمت سرقة العديد من هذه الخطابات والهدايا أو بيعها، فوجدناها تباع في صالات المزادات وعلى موقع إي باي

تعلمت من مايكل جاكسون أن الحق والخير دائمي الوجود، ولكن يلزمهم الشجاعة والقوة. تعلمت أن الكذب سهل وأن الصدق من أصعب ما يكون، وأن البشر بطبعهم ميالون لتصديق المحتالين الذين يخدعوهم بجرعات متتالية من الكذب ليخلقوا بها فرص لانفسهم لم تكن لتوجد بدون صناعتها بهذا الشكل. تعلمت أنك من الممكن أن تخدع العالم كله إذا كررت كذبتك ونقلتها بأكثر من وسيلة. فكم الكتب والجرائد والمجلات التي تناولت العمليات التي قام بها مايكل لتغيير لون بشرته قد ادرت على اصحابها الملايين، ولم يصدق أحد أنه كان مريضا بالبهاق إلا بعد وفاته وصدور تقرير الطب الشرعي الذي أكد اصابته بالمرض وأنه هو السبب في تغير لونه من الاسود إلى الابيض. تعلمت أيضا أن الحماقة لا حدود لها، وأن الظلم مهما كان قويا لا يقهره سوى المقاومة القوية والتماسك وقت الازمات. حجم الظلم الذي تعرض له أشهر وأغنى نجم في العالم لا يمكن أن يتحمله بشر. ومع ذلك كان قدوة في التماسك والاعتزاز بالنفس. روى مصمم ازياءه أنه اثناء جلسات محاكمته كان يصر على تصميم رداء جديد كل يوم، فيسهر المصمم على تنفيذه ويذهب اليه في الصباح ليلبسه اياه فيجده يبكي من الخوف على مصير اولاده في حالة لم يستطع اثبات برائته، ولكن حين كان يقف ليواجه الاف الكاميرات امام المحكمة كان ينظر لمعحبية ويبتسم في ثقة وكبرياء. مايكل كان يذهب متنكرا لزيارة الاطفال المرضى في المستشفيات، وحين يصل يكشف عن نفسه ليدخل البهجة على قلوبهم. حبه للاطفال كان بسبب أنهم كانوا جمهوره الذي لم يؤلمه بالتهكم ولا بالانتقاد ولا يطاردونه من اجل شهرة أو مصلحة. فتم استغلال اكثر ما احبه في هذه الدنيا ليكون سبب شقاءه وتعاسته حتى مماته

لم أجد نموذج عربي يلهمني بهذا القدر، بمنتهى الصراحة. وإن كانت هناك نماذج تستحق التقدير بما قدمته من عطاء فكري أو مهني. ولكن تلك الشخصية الفريدة العبقرية في عطائها الفني والابداعي والانساني وكل ما واجهته خلال سنوات حياتي بسبب تأثري بها هو ما جعلني أتعرف على أجمل وأقبح ما في النفس البشرية، جعلني اكثر دراية بصناعة الكذب واستغلال السوشيو-سيكولوجي لخلق واقع موازي يخدم مصالح فئات محددة. جعلني اعرف ان ثقافة العوام أو المينستريم هي أحط ثقافة عرفتها البشرية وانها تعوق التقدم والترقي الانساني في حالة الاستسلام لما تمارسه من ضغوط على الفرد لتحوله لترس في آلة تنبذ الاختلاف

مايكل جاكسون يلهمني بطرق عديدة، صوره وموسيقاه تحيط بي طوال الوقت حتى اليوم، لاتذكر دوما أن أكون نفسي.. مهما كان الثمن