فى الاسابيع الاخيرة من عام 2012 ، حضرت كرستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي الى القاهرة من اجل لقاء الرئيس محمد مرسي و العشيرة الحاكمة ، من اجل وضع تصور حول القرض المقرر ان تحصل عليه القاهرة
جلست السيدة لاجارد مع مرسي و بعض اركان العشيرة ، و خرجت مسرعة من اجل زيارة اهرام الجيزة ، ثم بدأت فى حزم حقائبها ، و حينما بدأ بعض رجال الوفد المرافق لها فى الحديث عن التفاصيل الهزلية التى لاقوها من قبل مرسي و عشيرته ، قالت لاجارد بالنص "لقد راهن المجتمع الدولي على الطرف الخاطئ" ، و كانت تقصد ان رهان المجتمع الدولي على تنظيم الاخوان المسلمين بدلا ً من المؤسسة العسكرية المصرية كان رهان خاطئ .
وقتذاك ، اصدرت لاجارد توصية بعدم اعطاء القرض لمصر ابدا ً ، و تم ابلاغ الحكومة المصرية بهذا الشأن ، و قامت حكومتنا العتيدة باخفاء الامر ، محاولين كل هذا الوقت التذلل لصندوق النقد الدولي من اجل العدول عن هذا القرار.
و كأى مؤسسة دبلوماسية ، لم يغلق الصندوق الباب امام مصر ، فقبل بالجلوس مع مسئولين مصريين فى اكثر من جولة ، الى ان اتت الجولة الفاشلة الاخيرة بالقاهرة ، و لما فشلت ، خرجت العشيرة تصرح بأن المفاوضات سوف تستكمل فى واشنطن ، و فى الحقيقة ان الوفد الاقتصادي المغادر الى واشنطن لن يناقش هنالك قط تفاصيل القرض ، لان هذا الاجتماع الدولي السنوي لصندوق النقد الدولي لا يناقش فيه تلك الامور بل ترسم فيه بعض السياسات العامة تماما ً مثل اجتماعات الامم المتحدة المنعقدة سنويا ً فى سبتمبر ، و لكن التصريحات الكاذبة وصلت الى مسامع لاجارد ، فخرجت بنفسها لكي تعلن ان مفاوضات القرض تقبع الان فى الحالة صفر ، لعل القاهرة تتوقف عن الكذب
و كانت رؤية لاجارد فى توصيتها الصادرة فى ديسمبر العام الماضى ، اى منذ قرابة الخمسة اشهر تشير الى ان الحكومة المصرية ليس لديها اى تصور لكيفية ادارة الملياريات الاربعة التى سوف تحصل عليها ، و ان الامر فى مجمله سوف يتحول الى ضخ مبالغ للموظفين و علاوات و ترقيات فحسب ، من اجل ان ينتعش السوق المحلى بستة اشهر بالكاد ، يصبح خلالها مرسي بطلا ً اقتصاديا ً قوميا ً
و تعقد الانتخابات البرلمانية فى تلك الاثناء و بهذا الصيت ، يحصل الاسلاميين على اغلبية مريحة ، و من ثم يذهب تأثير القرض بلا مشكلة ، فلقد حصلوا على الشئ الوحيد الذي يجعلون يسعون الى حل الازمة الاقتصادية ، بعد الانتخابات لن يتحرك مسئول اخواني واحد لحل اى مشكلة
و كانت توصية لاجارد وقتذاك تشمل ان يتريث المجتمع الدولي فى دعم النظام الاخواني، لان هنالك صراع سياسي فى مصر ، بين المعارضة و الاخوان و الجيش بالاضافة الى الشارع ، و انه يفضل التريث الى ان ينتصر احد الاطراف و من ثم دعمه ، قالت بالنص :: لننتظر حسم الشارع
.........
.........
مع هذه التوصيات ، و اشياء اخرى وصلت الى الادارة الامريكية على ضوء اندلاع – وقتذاك – انتفاضة 19 نوفمبر 2012 ، ادركت الادارة الامريكية انها راهنت على طرف هزيل ، و ان الدراسات الامريكية حول التيار الاسلامي منذ الخمسينات مبالغ فيها ، كما ان التوصيات القطرية هى الاخرى هزلية ، و فى تلك الظروف ، و تحديدا فى ديسمبر 2012 زار مصر وفد امريكي خاص جدا ، درس الوضع السياسي على ارض الواقع ، من اجل رسم ملامح (( المرحلة الانتقالية المقبلة )) عقب سقوط النظام المصري
وكانت رؤية واشنطن ، و حتى اليوم ، انهم لن يتدخلوا بالضغط على نظام مرسي ، لانهم اخطئوا يوم هاتف اوباما الرئيس الاسبق حسني مبارك فى الاول من فبراير 2011 طالبا ً منهم التنحي ، و ان واشنطن لن تكرر هذا الخطأ الذى افقدها ثقة العديد من حلفائها لا فى المنطقة العربية فحسب و لكن حتى علاقاتها مع بعض الدول الاوروبية مثل المانيا و ايطاليا تأثرت بسبب تلك الاندفاعة
هكذا رفعت امريكا يدها عن دعم النظام المصري ، و تراجعت خطوة للوراء ، و اصبحت تتفرج على دولة مشتعلة ، من سوف يخرج من هذا الصراع منتصرا ً سوف تتعامل معه امريكا فورا ً ، كما قال هنرى كسينجر يوم حطت طائرته فى مطار القاهرة عقب زلزال اكتوبر 1973 "لننس الماضى .. امريكا تحب ان تصادق الاقوياء"
.........
.........
ولكن نظام مرسي الشحاذ لم يستسلم ، فلا كرامة وطنية يعرف ، و لا كرامة شخصية يمتلك ، و انطلق يشحذ باسم مصر فى كل مكان و كل محفل ، فرؤيتهم لاصلاح الاقتصاد هى ذاتها رؤية مبارك ، الاستدانة من الخارج ، ان تصبح الدولة مجرد مدين للمجتمع الدولي ، و تم التوسل مرارا ً و تكرارا ً لصندوق النقد الدولي ، و فى كل مرة يضع الصندوق شروط تعجيزية لمرسي و اذا بالرجل و عشيرته يقبلون و يبدأون فى التنفيذ من قبل الحصول على القرض
مطالب صندوق النقد الدولي باختصار هى رفع الدعم بالكامل ، عن كل شئ ، و ان يتم تقليص القطاع العام اكثر من ذلك ، بسبب هذا الكم من الموظفين و الرواتب ، مقابل انتاجية هزيلة ، و حتى بعد ان ينفذ مرسي و عشيرته كل ذلك ، يظل الصندوق و الدول الكبري فى حالة ارتياب و ترقب مما يجرى فى مصر
.........
.........
من اجل حسم معركة الشارع ، بدأ مرسي و عشيرته فى التفاوض مع المعارضة من اجل ان تشارك فى الانتخابات ، هنا سوف يبدو ان العشيرة قد حسمت الصراع امام المجتمع الدولي و من ثم تظفر بالمباركة النهائية من الرأسمالية العالمية و تصبح حاملة التوكيل الدولي لادارة المزرعة المصرية ( جمهورية مصر العربية فى الاوراق الرسمية ) ، و من المؤكد ان النظام قد قدم وعود هامة للمعارضة من اجل المشاركة ، و من المؤكد – للمرة التريليون – ان الاخوان سوف يخلفون بوعودهم تلك ، و سوف يخرج اركان المعارضة قريبا ً للتأوه من الكذب الاخواني
التصعيد الاهم الجارى هو ضرب القضاء نهائيا ً ، و هنا حينما يصبح القضاء مواليا ً للعشيرة مع قراراتها المريضة ، سوف تصبح احلامهم المريضة واقعا ً له قوة القانون ، مثل اعتقال المعارضين ، و تكميم افوه الاعلامين و الصحفيين ، و حتى بعض الجهات الامنية مثل الداخلية و المخابرات سوف يتم التعامل معهم قضائيا ً .
.........
.........
لذا فأن الدولة المصرية اليوم تخوض حربها الاخيرة ضد الاخوان المسلمين ، بعد ان رفعت امريكا يديها مؤقتا ً و جلس اوباما يشاهد باستمتاع الفيلم المصرى الشيق ، و بعد ان رفضت لاجارد اقراض الاخوان (( الا اذا رفعوا الدعم بالكامل و قدموا تنازلات فى مجال القطاع العام و لو بعد فترة من حدوث القرض )) ، بهذا الشكل كل الاحتمالات قائمة ، رغم ان ميزان القوة اليوم ليس فى صالح النظام ، و ان الدولة العميقة حققت مكاسب قوية للغاية فى الفترة الاخيرة ، الا ان موقع النظام يظل له الصلاحيات لحسم المعركة متى توفرت ارادة شعبية لذلك.
و لكن المخيف فى امر امريكا و المجتمع الدولي هو ان كل ما يفعله اوباما – و لاجارد – لا يأتى على هوى اليمين فى اوروبا و امريكا و اسرائيل ، و لو حدث و صعود اليمين الى البيت الابيض فى انتخابات الرئاسة 2016 ، فانه سوف ينتظر مصر مصير بالغ السوء اذا ما كان الاخوان هم الجالسون فى الاتحادية وقتذاك ، لذا ينبغى ان احذر و بشدة من العاصفة المحافظة التى سوف تهب من امريكا مطلع 2017 اذا ما فاز الجمهوريين بالرئاسة
ختاما ً هنالك عامل اخير يلعب فى علاقة الغرب بالازمة المصرية و ان كان غير مرئي لاشاوس الصحافة و الاعلام المصري ، الذى ارتمي اغلبهم فى حضن ياسر على المتحدث باسم الرئاسة الاسبق لفترة ، و المعارضين للعشيرة انهمك فى الكتابة و الظهور الاعلامي اكثر من التواصل مع اطراف اللعبة داخليا ً و خارجيا ً من اجل فهم حقائق الامور ، هذا العامل هو الثورة السورية ، اذ على ضوء هوية المنتصر فى الحرب السورية حاليا ً سوف يحدد الغرب موقفه من حكومات العراق و لبنان كمرحلة اولى ، ثم حكومات الربيع العربي كمرحلة ثانية .. و على كل حال حسم الحرب الاهلية السورية سوف يحدث خلال الاشهر القليلة المقبلة ، العام الجارى هو عام الحسم لعموم الشام