استمع الرئيس السوداني المشير عمر احمد حسن البشير لنصيحة امير قطر ، و اعلن عدم سعيه للترشح لانتخابات الرئاسية السودانية المقرر عقدها عام 2015 ، بالتزامن مع استمرار تدهور حالة البشير الصحية بعد ان اجرى خلال اقل من عام عمليتين جراحيتين فى الدوحة و الرياض .
و كان امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد نصح البشير على ان يطبق النموذج اليمني بنفسه ، اى يتنحي لصالح احدي مساعديه ، بدلا ً من اشتعال الوضع فى السودان ، على ضوء الانتفاضات الطلابية والاضطرابات المشتعلة فى السودان منذ يناير 2011 و التى تشتعل كل فترة قبل ان تخبو دون تطورها الى مستوي الثورات التى جرت فى دول الربيع العربي .
و مما لا شك فيه ان البشير اصبح عبئا ً على السودان ، سواء بمرضه او مطاردة المجتمع الدولي له جراء مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة بحقه ، و التى جعلت العديد من الدول الغربية لا تقدم المساعدات و الاستثمارات المطلوبة ، على اعتبار ان هنالك اضطراب فى هرم السلطة بالخرطوم ، و هو اضطراب سوف يزال برئاسة جديدة .
كما ان بعض الدول العربية الداعمة للخرطوم لا تريد اغضاب الغرب بمزيد من الدعم للبشير ، لذا اصبح الرجل عقبة امام مشاريع تنمية خليجة سوف تصب فى السودان عقب تخليه عن السلطة .
ويمكن القول ان قطر تسعي حاليا ً الى اعادة ترتيب نفوذها فى السودان ، على ضوء ضعف النفوذ الايراني فى الخرطوم ، حيث تسعي الدوحة لتسلم التركة الايرانية ، على ضوء الهوى الاسلامي للنظام السوداني ، و هو ما يتلاقى مع فكر المشروع القطرى الساعي الى إيصال الاسلاميين للحكم فى دول العالم العربي ، ثم تثبيت حكمهم على عروش تلك الدول.
و من المنتظر عقب تنحي البشير و تسليم الحكم الى احدى رجال حزب المؤتمر الوطني السوداني ذو الهوى الاسلامي الاخواني ان تقوم قطر بدعم الاقتصاد السوداني بشكل اكبر مما هو حاصل الان ، مع الدعم الدبلوماسي القطرى من اجل إخراج الخرطوم من عزلتها الدولية ، و دعوة الاستثمار الغربي الى الانفتاح على السودان ، و دعوة الاسرة الدبلوماسية الدولية الى اعادة دمج السودان فى المجتمع الدولي من جديد .
بل ان هنالك مصادر سودانية صرحت ان قطر تتعهد بشكل واضح و صريح للخرطوم بأن تحشد الدعم الدولي لمساعدة السودان في برامجه الأقتصادية ، وشطب ديونه ، والأستفادة من معاهدة كوتونو ، والاستفادة من المعاهدات الأقتصادية الأخري لمساعدة الدول النامية .
و دارت التكهنات بخصوص خليفة البشير فى اربعة اسماء ، هم نائبيه الاول على عثمان محمد طه والثانى الدكتور الحاج آدم ، اما الثالث فهو مساعد رئيس الجمهورية د.نافع على نافع ، والرابع الفريق بكرى حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية.
و فى اطار الترتيبات لسودان ما بعد عمر البشير ، اطلق نائبه على عثمان طه دعوة لحوار وطني يشمل المتمردين فى جنوب البلاد ، من اجل صياغة دستور جديد بعد ان اصبح دستور 2005 غير صالح لادارة الدولة على ضوء صياغته بين الخرطوم و جنوب البلاد التى انفصلت لاحقا ً فى يوليو 2011 .
و وجهت الدعوة الى قادة التمرد المسلح فى جنوب البلاد ، مالك عقار و عبد العزيز الحلو.
و يدور فى جنوب السودان الشمالى عقب انفصال جنوب السودان تمرد جديد فى ولايات النيل الازرق و جنوب كردفان و غرب كردفان بالاضافة الى ولاية جنوب دارفور التى يدور فيها تمرد متصل مع ولايتي غرب دارفور و شمال دارفور منذ عام 2003 .
حتمية انهاء شبكات الحروب الاهلية فى السودان يتلخص فى ان تسعى الخرطوم الى حل غير تقليدي ، و امام الخرطوم خيارين لا ثالث لهم ، اما القبول بمطالب المعارضة السودانية ، الممثلة فى وثيقة الفجر الجديد الموقعة بين الأحزاب السودانية المعارضة وحركات متمردة في دارفور وجنوب كردفان ، و التى تنص على تحول السودان الى ثمانية اقاليم فيدرالية هي :
1. الخرطوم
2. الشرقي
3. دارفور
4. كردفان
5. جنوب كردفان/جبال النوبة
6. النيل الأزرق
7. الشمالي
8. الأوسط.
الحل الثاني هو استمرار التمرد العسكري ، و وقتها لن يؤدى هذا الامر الا الى انفصل المزيد من الدول السودانية عن الخرطوم ، و يدور حديث منذ اعلان قيام جمهورية جنوب السودان عن ضرورة انشاء ما سمي جمهورية السودان الوسطي ، متضمنة ولايات النيل الازرق وجنوب كردفان و غرب كردفان ، بالاضافة الى قيام جمهورية السودان الغربي متضمنة اقاليم دارفور ، و السودان الشرقى متضمنا ً اقاليم التمرد فى الشرق ، و ختاما ً تقسيم شمال السودان الباقى ما بين الخرطوم و مناطق ذات اغلبية نوبية فى الشمال .
و رغم ان البعض يسخر من سيناريو تقسيم السودان الشمالى الى خمس جمهوريات ، الا ان هذه السخرية المريرة تذكرنا بسخرية البعض من فكرة انفصال الجنوب السوداني تحت مسمي جمهورية جنوب السودان ، و هو ما اصبح واقعا ً .
رئيس هيئة تحالف المعارضة السودانية، فاروق أبو عيسى ، لجريدة الاخبار اللبنانية بتاريخ 31 يناير 2013 :
السودان لم يمر عليه نظام قاهر مثل النظام الحالي الذي يمتلك الكثير من أدوات القمع التي تصل الى الضرب بالرصاص الحي.
كما أنهم يمتلكون ميليشيات متعددة متخصصة في قمع الشعب، ما أدى الى تهيّب العمل السياسي الذي يؤدي الى الموت لدى رجل الشارع البسيط. ومن الأسباب أيضاً حلّ النظام للنقابات التي كانت تنظم الإضرابات والاعتصامات، فأصبحنا نعتمد بنسبة 85 في المئة من الفعل السياسي على الأحزاب فقط.
و مما لا شك فيه ان ملف التنمية و المساعدات الغربية و الخليجية سوف يؤدى الى فض الاحتقان السياسي بالسودان ، و هو الملف الذى يسعي حزب المؤتمر الوطني الحاكم الى الانتهاء منه ، و اتت رغبة البشير فى التقاعد بناء على نصيحة اخوية قطرية و بناء على تدهور صحته كطوق النجاة لهذا الملف ، و لكن الايام وحدها سوف تثبت مدى قدرة السودان على تسليم سلمي للسلطة ، ام الوقوع فى فوضى سياسية بسبب الخلافات حول تسمية خليفة البشير .