ليسوا إرهابيين و لا مغيبين


ترجم البعض حالة الصمت التي دخلت فيها منذ بدأ الأحداث بإنتهاء عقد الإحتراف بتاعي مع جهاز امن الدولة... او ان الشيك بتاع منظمة البنائين الاحرار لم يصل بعد.. البعض الآخر كان اكثر إنسانية و عاطفية من مدرسة سوما العاشق أني ندمان و حزنان لاني كنت السبب في في مقتل ٦٠٠٠ مواطن مصري و إصابة ١٥ الف آخرين في الأحداث الأخيرة حسب قناة الجزيرة الفضائية.

و الحقيقة أني بعد أحداث محمد محمود و مجلس الوزرا أصبحت أتعامل مع الدم بشكل أبطأ ... فالوضع ليس نقد سياسي مجتمعي من اوضة مكيفة مع وجبة خفيفة و كوباية الشاي... الامر يحتاج إلى الوقت و التركيز لهضم كم الأحداث و محاولة الانفصال العاطفي عنها (حتى لا تحركك عواطفك) لتستطيع أن تبني رؤية لك أولا قبل الآخرين.

عند أي أحداث عنف لا يوجد إلا طرفين ... قاتل و مقتول... و تتحمل السلطة الحاكمة القدر الأكبر من المسؤولية بحكم أنها السلطة و كدة. يحاول كل طرف استخدام ما لديه من وسائل إعلامية لتبرير لماذا قَتل و الآخر يتاجر بمن قُتِل... إن ما حدث في أحداث فض إعتصام رابعة و النهضة و ما تبعها من أحداث دموية ليس إلا تزايد خطاب الكراهية و لوي الحقائق لفصل الناس إنسانيا عن المشاركين في الأحداث. و ليت مصر تبدأ في سن قوانين رادعة تحت مسمى جرائم الكراهية.

فمنذ سقوط نظام الإخوان الضعيف المتهالك، و خروج ملايين المصريين للتعبيرعن سخطهم من غياب المتطلبات الأساسية اليومية للمواطن المصري... الأمر الذي صب في مصلحة مؤسسات الدولة العجوز التي لم يمتلك النظام الإخواني اي رؤية لإصلاحها ... بدأت وسائل الإعلام في فتح أدراجها القديمة و إستخراج آلات نزع التعاطف ال "قاتلة"... فلم تجد إلا الكارت الشهير بتاع "الإرهاب"

أعرف على المستوى الشخصي ثلاث أو أربع أرهابيون كما وصفهم الإعلام المصري (زمان كان ممكن نقول اعلام حكومي و اعلام خاص الآن لا فرق كبير) و الحديث عن مناقبهم و حسناتهم يطول و لكن التطرق لبعضها قد ينقل لك مدى شراسة هؤلاء الأشرار

أعرف وليد قنديل رحمه الله منذ اكثر من من ١٣ عاما ... و كان اول لقاء به في الجيم بتاع نادي الصيد... فوليد كان صاحب اكبر "رست "و "بي سبس" ممكن تشوفها في حياتك!! كنت تشعر بذلك كلما صافحك أو أبتسم في وجهك ..و الحمد لله أنه كان ديّن خلوق هادي الطباع خفيف الظل و إلا كان كثرت ضحاياه... اذكر أنني قد جاءتني دعوة في ٢٠٠٣ لحضور درس سري (و كل الدروس كانت سرية في ذلك الوقت) في إحدى البيوت و حين دخلت وجدت شباب الجيم العمالقة و و ليد (رحمه الله ) في غرفة الجلوس منتظرين الشيخ و تجاهلوا وجودي او الترحاب بقدومي مش عشان انا كنت يادوبك بارفع بنش ٨٠ كيلو بالعافية... لا لا ... عشان كانوا بيلعبوا بلاي ستاشن!!

اقتربت من وليد رحمه الله بعد الثورة مباشرة و كنا نتقابل بشكل دوري لعمل على تقارب الناس .. فوليد لم يكن ذلك الشاب الذي انعزل عن العالم و فتح محل عطور زيتية و تمر أمام مسجد من المساجد (مع كامل الاحترام لتلك التجارة) بل كان يعمل في شركة عالمية مرموقة في قسم الحسابات و لم يكتفي بالشهادة الجامعية فقط بل حصل على CPA او ما شابها في مجاله. كان كثير النصح و الحرص و الورع ... كان لا بتوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... غالبا كل ما نصحني به و لم أأخذ بنصيحته كان محقا فيه و كنت متسرعا و مخطأ... حتى نصيحته لي بان لا أحول أبنائي لمدرستهم الحالية لضعفها .. لم استمع إليه و كان محقا كالعادة!!

كان شديد الحرص على الدماء و عدم المواجهة ... و ذلك كان السبب الرئيسي في اختلافنا الكبير بعد أحداث محمد محمود... أختار الطريق الإصلاحي المؤسسي و استخدم كل ما وفرته الدولة من حق التعبير عن الرأي .. من استفتاءات و انتخابات و مسيرات و إعتصامات!! شارك في إعتصام رابعة العدوية بعد أن رأى صوته يُسرق و علامات عودة دولة مبارك تظهر.. تلك الدولة التي شارك وليد رحمه الله في إسقاطها في ٢٥ يناير .. بل و حرض زملاءه على النزول لدفع الظلم رغم ان ذلك الرأي كان مخالف لكثير من مشايخ التيار.

مات وليد و هو يحاول نصح رجال الشرطة بعدم الفض و إزالة الاعتصام باوناشهم حسب إحدى الروايات المنقولة عن والدته الصابرة المحتسبة ... توقفت العربة بعض الشئ ثم بدأ إطلاق النار العشوائي في المكان ... فأصابته رصاصتين أنهت حياته المزدهرة العامرة بالأعمال المتنوعة ...

لم يكن إرهابيا او مغيبا.. بل كان اب جميل و صديق لا ينسى... انت تريد إن تصدق ذلك حتى تنعم بنوم هنيئا في حضن أولادك ... متناسيا ان ابنته حرمت من ذلك الحضن الدافئ للأبد. برر قتله لوجود سلاح... أحب أعرفك ان أول من ادخل المولوتوف الصراع كان أبناء التحرير... في مظاهرتهم ضد الشرطة... اول من قطع الطرق كانت المعارضة "السلمية" ... تبرر قتله من أجل ما تصرح به المنصة و أنت تعرف جيدا أن المنصة مختلة و لا تعبر عن أكثر من في الإعتصام و لو كان في حد يقدر يسيطر على اي منصة كنا سيطرنا على منصات التحرير المخبولة!!

وليد ليس الفقيد الوحيد لنا .. فهناك مروان سلام... الذي استضافني انا و زوجتي عندما فقدنا بعثتنا في الحج منذ عامين... أدب جم و دين و أخلاق و مروءة.. سباق للخير... صاحب وجه مضئ .. لا أنسى يوم وفاة والدته رحمها الله و وقوفهم بجانبها أثناء مرضها حتى دفنوها هو و اخوه مروان... أحمد بيومي ذلك الصيدلي و الباحث في هيئة الطاقة الذرية.. قابلته في جلسة مناقشة الدستور... شاب جميل متحدث .. دخل المعترك السياسي بدون التنازلات المعهودة التي وقعنا فيها جميعا.

ليسوا إرهابيين و لا مغيبين .. بل هم شباب مثقف واعي.. أختلفنا معهم في إختياراتهم.. كانوا الأقرب و الالين لنا من قادتهم...الآن و قد رحلوا قبل أن نودعهم فحق علينا أن ندفع عنهم أذية الألسنة الخبيثة.. و نتواصل مع احبابهم و نسعى مجتهدين للقصاص لهم حتى تكون معذرة الى ربنا

برر قتلهم اليوم و ستموت غدا موصوف بابشع من ما وصفوا به. 

محمد طلبه
في ١٨ أغسطس ٢٠١٣