فى الرابع من ابريل 2013 ، وقع رئيس جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية ( كوريا الشمالية ) كيم يونج أون قرارا ً فوض بموجبه قواته المسلحة بتوجيه ضربة عسكرية ذات طابع نووي الى الولايات المتحدة الامريكية ، وسط دهشة العالم من التصعيد الكوري الشمالى ، حيث تجاوز كيم يونج أون قواعد حرب الاعصاب فى شبه الجزيرة الكورية.
تفسيرات التصعيد لا تخرج عن ثلاثة احتمالات ، الأول ان يكون كيم يونج أون مجرد مخبول ممن ادى جنون العظمة لديهم الى اشعال الحروب العالمية فى القرن العشرين ، و هو احتمال ليس ببعيد عموما ً عن هذا الفتى و ابيه الراحل ، على عكس جدهم المناضل ، و ثلاثتهم حكموا كوريا الشمالية ، و الاحتمال الثاني هو الاكثر قابلة للفهم الا و هو سعي كيم جونج أون الى تهديد كوريا الجنوبية و اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية بعمل عسكري نووي من اجل الظفر بتنازلات عسكرية فى جلسة مفاوضات حاسمة تنزع فتيل الازمة الكورية الجديدة ، و الاحتمال الثالث ان تكون روسيا او الصين او كلاهما يقف خلف هذا التصعيد من اجل إحراج واشنطن.
والحقيقة التى يعرفها العالم اجمع ان باراك اوباما ابدى ضعفا ً تاريخيا ً فى قيادة الأمةالامريكية ، و شكل الربيع العربي خسارة هامة للرصيد الاستراتيجي الامريكي ، اذخسروا انظمة كانت موالية لهم ، و لما حاولوا تدارك الامر بتنصيب اسلاميين موالينلهم ظهر بعد اقل من عامين ان هؤلاء المبتدئين الهواة فى عالم السياسة غير قادرين على قيادة دول بحجم مصر و تونس و ليبيا ، بالاضافة الى عجز امريكا عن تنفيذ سيناريو التدخل العسكري فى سوريا ، و امتناع اوباما عن تهديد ايران بالعمل العسكريبل ومنعه اسرائيل اربع سنوات من هذا العمل ، و ختاما ً اضطراره للعمل على الارض خاصة فى ليبيا مع بعض التنظيمات السلفية الجهادية ، كلها اخطاء تدل على ضعف اوباما و انه – مثل اى حاكم على مستوي التاريخ جيد فى الخطابة – مجرد متحدث لبق يستطيع انيحول فى خطابته ضعف بلاده الى انتصارات حاسمة .
اذا لم تحارب كوريا الشمالية فى عصر رئيس كهذا ، فمتي سوف تحارب ، و اذا لم تتحرش الصين اوروسيا او كلاهما بامريكا فى عصر رئيس كهذا ، فمتي سوف يفعلونها ؟
لذا فالازمة لنتخرج عن تحرش كورى ، او تحرش اقليمي ( كوريا الشمالية – الصين – روسيا ) من اجل الظفر بتنازلات عسكرية من قبل الولايات المتحدة الامريكية و كوريا الجنوبية ، و لاننسي حقيقة هامة الا و هي ان الدول التى تعاني عادة من القمع و البطالة و المجاعة، يسعي حكامها دائما الى تعليق شماعة فشلهم على المؤامرة الدولية الكونية ، و ان المجتمع الدولي الرأسمالى الامبريالى هو الذى فعل هذا ببلادهم و ليس هذا الحاكم الفاشل ، اغلب دول المعسكر الاشتراكي الشرقى ابان الحرب الباردة حكمها حكام يعزفون على هذه الاسطوانة ، بل و حتى بعض الدول الاشتراكية التى كانت خارج منظومة المعسكرالشرقى عمدت ايضا ً الى نفس الاسطوانة .
و فى الواقع ان الصين و روسيا سبق و ان رفضت المناورات الامريكية – الكورية – اليابانية التى تجرى فى شرق آسيا مرارا ً ، بل ان كيم يونج أون يشير الى غضب بلاده هذه المرة بسبب التدريبات البحرية والجوية المتواصلة قبالة سواحل الصين حيث قامت طائرتان من طراز «بي-2»الأميركية، بمهمة تدريبية فوق كوريا الجنوبية.
و«بي-2»، التي يصل مدى عملها الى 11 الف كيلومتر، تُعد سلاحاً مخيفاً مُعَداً لمهمات خاصة للقصف الاستراتيجي من علو مرتفع (حتى 15 الف متر) وراء الخطوط المعادية.
وهذا النوع من الطائرات «الشبح»، التي استخدمت للمرة الاولى في صربيا (1999) ثم في أفغانستان(2001) وليبيا (2011) تعد «عنصراً هاماً في قدرة الردع التي تملكها الولايات المتحدة في منطقة آسيا – المحيط الهادئ»، حسب بيان صدر عن الجيش الأمريكي.
طائرات لا يمكن رصدها، فهي تحلق بسرعة الصوت، ويمكنها حمل حتى 18 طناً من السلاح التقليدي أوالنووي، منها 16 قنبلة بزنة 900 كيلوجرام موجهة بواسطة الأقمار الاصطناعية، أو ثماني قنابل «جي بي يو-37» مضادة للتحصينات البالغة الشدة.
إذن هو سلاح جديد دخل الى منطقة النزاع في شرق آسيا، بهدف تغيير قواعد الاشتباك، وإن كان الهدف الظاهر منه تحذير كوريا الشمالية إثر تهديداتها بشن حرب نووية على الولايات المتحدة وضرب بعض جزرها بالصواريخ البعيدة المدى، فهو رد مباشر على تجربتها النووية في 12 فبراير 2013 ، التي سبقها قبل شهرين اطلاق صاروخ فضائي اعتبرتهواشنطن تجربة لصاروخ بالستي.
و هكذا يتضح بجلاء ان الغضب الكوري – و ربما الصيني / الروسي – يتمثل فى جرأة واشنطن فى استخدام طائرات كهذه فى مناورات امريكية – كورية جنوبية جرت ، و ان بيونج يانج لن تطلب اى شئ اذا ما جرت جلسة مفاوضات عسكرية تاريخية الا تقليم اظافر العمليات العسكرية الامريكية – الكورية الجنوبية بل و ربما يصل الامر الى مطالبة كوريا الشمالية لامريكا بتخفيض التواجد العسكري فى كوريا الجنوبية .
وتمتلك امريكا بنهاية الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) قواعد عسكرية فى اليابان و كوريا الجنوبية ، كما ان الاراضى الامريكية الواقعة غرب القارة الامريكية شديدة القرب من شبه الجزيرة الكورية ، و تحديدا ً جزيرة جوام التى تقع ضمن مجموعة جزر ماريانا وولاية هاواى ، و كلاهما يحتوي على قواعد عسكرية امريكية .
اذن .. كوريا الشمالية قادرة على ضرب قواعد امريكية فى جوام وهاواى داخل الاراضى الامريكية ، وكوريا الجنوبية و اليابان داخل القارة الآسيوية .
و لم تكن شب هالجزيرة الكورية منقسمة جغرافيا ً بهذا الشكل عبر التاريخ ، بل كانت امبراطورية موحدة ثم قامت اليابان باحتلال كوريا ما بين عامي 1910 و 1945 ، ثم عقب استسلام اليابان خلال الحرب العالمية الثانية سيطرت القوات الامريكية على الجنوب و القوات السوفيتية على الشمال ، و هنا اندلعت ثورة ذات طابع شيوعي فى شبه الجزيرة بغية التحرر و اعلان جمهورية موحدة ، ولما كانت الولايات المتحدة الامريكية لا تريد ان تخسر كوريا و تسلمها للشيوعيين كما خسرت الصين ، عمدت الى خدعة ماكرة ، تمثلت فى اعلان اجراء انتخابات عامة ، على اعتبار ان اجراء انتخبابات عامة فى شبه الجزيرة الكورية سوف يؤدى الى خسارة الشيوعيين الانتخابات نظرا ً لعدم وجود شعبية لهم فى مناطق الجنوب ، و لكن السوفيت سارعوا الى وأد المؤامرة و جعلوا الانتخابات تجرى فى الجنوب الذى تسيطر عليه امريكا فحسب ، و سلمت ادارة الشمال الى المناضل كيم إل سونج ( جد الرئيس الكورى الشمالى الحالي و اول رئيس لما يعرف بـ كوريا الشمالية ) عام 1948، و هكذا عمدت كل دولة على تنصيب حكومة محلية تتبعها ايدولوجيا ً .
الرئيس الأول ، كيم إل سونج (15 أبريل 1912 - 8 يوليو 1994)، مؤسس و السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوري الذى اصبح اسمه لاحقا ً حزب العمال الكوري .. انضم إلى الحزب الشيوعي في الصين في عام 1931 ، إنظم إلى العمل الفدائي المناهض للغزو الياباني عام 1935 ، وفي عام 1940 كان القائد الوحيد الذي تبقى على قيد الحياة، وقد انتقل إلى الاتحاد السوفيتي سراً عاد إلى كوريا عام 1945 مع القوات السوفيتية، ثم اعلن قيام جمهورية مستقلة فى كوريا الشمالية و اصبح رئيسا ً لها عام 1948 .
لم يتنازل المناضل كيم إل سونج عن حلم توحيد شبه الجزيرة الكورية ، و هكذا بدأ فى بناء جيشه القوي ،و بحلول عام 1950 اصبح يمتلك القوة العسكرية اللازمة لشن حملة عسكرية على كوريا الجنوبية ، و تلقى دعما ً من الصين و الاتحاد السوفيتي و هكذا انطلق بقواته يضم كوريا الجنوبية و هكذا بدأت الحرب الكورية ( 25 يونيو 1950 – 27 يوليو 1953 ) .
سارعت الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا لمساعدة كوريا الجنوبية ، و تشكلت قوات اممية شكلا ًو امريكية – بريطانية موضوعا ً من اجل استعادة كوريا الجنوبية من قبضة كوريا الشمالية ، و لم تكتفى القوات الامريكية – البريطانية بقيادة الجنرال الامريكي الشهير دوجلاس ماك آثر باستعادة كوريا الجنوبية فحسب ، بل و دخلت كوريا الشمالية ايضا ً و احتلت العاصمة بيونج يانج ، و بدأ الجنرال الامريكي العتيد يمد بصره عبر الحدود الى الصين الشيوعية .
و لكن بكين وموسكو ردوا الضربة العسكرية بجيش شعبي صيني و دعم للمقاومة الكورية ، و هكذا اصبحت الحرب الكورية حرب بلا هزيمة و لا انتصار ، وفى نهاية الامر لجأ الجميع الى الامم المتحدة لإيجاد مخرج للأزمة ، و تقرر ان يعود الجميع الى حدود ما قبل اندلاع الحرب.
و كما حدث فى كل المناطق التى سيطر عليها الغرب خلال الحرب الباردة ، حولت امريكا كوريا الجنوبية الى واحة من الديموقراطية و الحريات ، مقابل حكم شيوعي عسكري بغيض فى كوريا الشمالية، و يكفى الاشارة الى ان كوريا الشمالية تعاقب عليها منذ نشأتها عام 1948 ثلاثة رؤساء فحسب من اسرة عسكرية واحدة ، بينما تعاقب على كوريا الجنوبية فى نفس الفترة 11 رئيسا ً للجمهورية ، آخرهم السيدة بارك كون هيه زعيمة الحزب المحافظ ( سيه نوري) المعادي للنظام الشيوعي منذ الحرب الكورية، بالاضافة الى اكثر من 30 رئيسا ً للوزراء .
جغرافيا ً تقع كوريا الشمالية فى شرق آسيا ، تحدها من الجنوب كوريا الجنوبية ومن الشمال الصين ومن الشرق بحر اليابان. أما من الغرب، فيحدها خليج كوريا والبحر الأصفر، اما شبه الجزيرة الكورية فى المجمل فتقع فى شرق آسيا وتمتد بإتجاه الجنوب حوالي 1,100كم من قارة آسيا إلى داخل المحيط الهادي ومحاطة ببحر اليابان ( البحر الشرقي) من الشرق والبحر الشرقي الصيني من الجنوب والبحرالأصفر من الغرب و يصل مضيق كوريا بين بحر اليابان والبحر الشرقي الصيني.
الرئيس الثاني كيم يونج أل ( 16 فبراير 1941 - 17 ديسمبر 2011) حكم فى الفترة ما بين عامي 1994 و2011 ، اما الحاكم الثالث و الحالى كيم يونج أون فقد تولى الحكم يوم 17 ديسمبر2011 ، من مواليد 8 يناير 1984 ، و رغم انه لم يبلغ عامه الثلاثين بعد الا انه يحتل رتبة مشير و كان قد وصل الى رتبة فريق فى ايام حكم والده الاخيرة .
وتعاني كوريا الشمالية من ابشع مجاعة فى التاريخ ، و تسيطر المؤسسة العسكرية على كل كبيرة وصغيرة فى البلاد ، لدرجة تجعل بعض ساسة الغرب يعتقدون ان الرئيس الكورى الشمالى الشاب ما هو الا مجرد دمية فى يد جنرالات بيونج يانج .
و كالمعتاد ،حينما وصل كيم يونج أون الى الحكم ، توسم اوباما – المتفاءل دائما ً – خيرا ًبالزعيم الشاب ، على اعتبار ان تكون حداثة سنه بوابة لقرارات اصلاحية ، و لكن وكما جرى فى الربيع العربي و ملف البرنامج النووي الايراني ، خسر اوباما الرهان واصبح اليوم امام اكبر تهديد جاد تصدره كوريا الشمالية منذ انتهاء الحرب الكوريةعام 1953 .
و فى تقرير بث يوم الجمعة 5 ابريل 2013 ، اشارت وكالة رويترز الى ان الامريكان يطلقون على سياسة كيم يونج أون استراتيجية مجنون في الحي ، و ان المسمي ذاته اطلق على ابيه و جده ، فهل يشعل مجنون الحي الحرب العالمية الثالثة عبر البوابة الكورية ، ام يستطيع اوباما ان يلجم الفتى السمين كما يطلق عليه فى الصين ؟