سوريا .. حقائق التاريخ و حديث السياسة

لم اكن راغبا ً فى الكتابة عن سوريا ، فالملف اضخم من ان يكون يختزل فى مقال او حتى سلسلة مقالات ، و متابعة الضربة الامريكية المقبلة بالنسبة لى اهم من كافة التفاصيل التى سبقتها ، و لكن مع تصاعد الاهتمام بالملف السورى ، كان لازما ً ان يتم شرح بعض الخطوط الهامة فيما يخص التاريخ عموما و الموقف السياسي الان

بداية علينا ان ندرك حقائق هامة ، سوريا و الشام عموما ً ملعب سياسي لا لاعب سياسي ، تنافس على ارضه ثلاثة قوى عبر التاريخ ، بلاد ما بين النهرين ( العراق ) ، بلاد الاناضول ( تركيا ) و مصر ، كانت الغلبة لمصر اكثر الاوقات ، بحكم قدرتها على السيطرة على سوريا الجنوبية و الانطلاق من شبه جزيرة سيناء

عبر التاريخ كان هنالك قوتين تنافسا على الملعب بالاضافة الى اللاعبين الثلاثة الاساسيين ، هما الجزيرة العربية تارة بسبب الاسلام و تارة اخرى بسبب الثورة النفطية التى اسست القوة الحقيقية للمملكة العربية السعودية ، و القوة الثانية هى ايران

و حتى مع سيطرة حافظ الاسد على سوريا عام 1970 و الظهور بمظهر اللاعب السياسي ، كان فى واقع الامر يطوع نفوذ سوفيتي تحول الى نفوذ ايراني لصالح اجندته – اى حافظ الاسد – الخاصة فحسب الحقيقة الثانية ان الشام عموما ً ، سوريا و لبنان و الاردن و فلسطين لم يكن يوما  دولة موحدة ، و حتى سوريا الحالية او لبنان الحالى او فلسطين الحالية او الاردن الحالى كلهم لم يكونوا بهذا الشكل الجغرافى طيلة التاريخ ، الامر شديد الشبه بما جرى فى الجزيرة العربية من ولايات و اقاليم و ممالك و عروش و جمهوريات قامت هنا و هناك ، آخرها العثمانيين الذين سيطروا على الشام حتى منتصف الحرب العالمية الاولي ، و كانت سوريا منقسمة الى اكثر من ولاية عثمانية.

الحقيقة الثالثة ان التنوع العرقى و الديني فى الشام كان المدخل الرئيسي لكل القوى العظمي و المحلية التى كانت تعبث او تلعب بالملعب السورى/الشامي ، الدروز مع بريطانيا و الموارنة مع فرنسا و السنة مع مصر و الجزيرة العربية و العراق و حتى تركيا فى بعض الاحيان و الشيعة مع فارس/ايران ، بالاضافة الى عشرات التفريعات الدينية و العرقية الاخري .

هذه الحقائق الثلاثة هى مفتاح فهم اى حدث بسوريا ، ملعب لا لاعب .. جغرافيا غير مستقرة ابدا ً .. طوائف و قوميات و عرقيات تبحث دائما ً عن سند اقليمي او دولى للحفاظ على التوازن السياسي داخل الشام

للاسف يموج الفكر العربي بمعلومات خاطئة عن الشام ، مثل ان لبنان دولة لم تظهر الا على يد الفرنسيين ، بينما ان لبنان كدولة ظهرت مستقلة فى اكثر من مشهد سياسي تاريخي قبل ان يتم ضربه ، صحيح تغيرت الحدود كل مرة و لكن الظهور القوى لامارة جبل لبنان فى مشروع محمد على و مساعدة بشير الشهابي لمحمد على فى مشروعه الامبراطورى يعتبر محطة سياسية هامة ترد على هذا الخطأ التاريخي الفادح لدى البعض .. الفرنسيين لم يخلقوا دولة بلا تاريخ ، الفرنسيين ثبتوا مساعي بعض القوى المارونية لصناعة تلك الدولة التى ظهرت و اختفت اكثر من مرة على مدار التاريخ و ليس على يد الموارنة فحسب بل سبقهم الدروز

نعود الى ما يعرف بـ سوريا اليوم ، خلال الحرب العالمية الاولي و من اجل ضرب العثمانيين رعت بريطانيا ما يعرف بالثورة العربية الكبري ، و هى فى واقع الامر ائتلاف من كل القوى السياسية التى كانت تعارض الهيمنة العثمانية على الدول العربية ، و قامت بريطانيا بتسليح بل و بقيادة فى بعض الاحيان معارك تلك القوى عسكريا ً ضد الاتراك حتى تم طردهم من شبه الجزيرة العربية و العراق و سوريا ، انتصار غربي بسواعد ابناء تلك المناطق ، شارك فى ميلشيات الثورة العربية الكبري الجميع تقريبا ، انصار القومية العربية و انصار ما سوف يعرف لاحقا ً بالاسلام السياسي و حتى زعامات درزية و سنية و مسيحية و كردية

سيطر على الشام عقب الحرب العالمية الاولي بمساندة بريطانية الامير فيصل بن الحسين ما بين عامي 1918 و 1920 ، ثم اتى الفرنسيين بحسب سايكس بيكو و طردوا فيصل و رفاقه عام 1920 ، و قسموا الشام الى جمهورية دمشق برئاسة الرئيس حقى العظم ، و جمهورية حلب برئاسة الرئيس كامل القدسي ، و جمهورية اللاذقية ( العلويين ) ، و جمهورية جبل الدروز ( فى الجنوب ) برئاسة الرئيس سليم الاطرش و لبنان ( الاغلبية وقتذاك كانت للموارنة و الشيعة قبل ان ينقلب الامر ديموجرافيا ً بحلول السبعينات لصالح السنة ) ، و بقى لواء الاسكندرون معلقا ً و ان كنا نعرف اليوم ان تركيا قد رسخت احتلالها لهذا الاقليم الكبير بقرار فرنسي صدر فى 31 يونيو 1931

خمس جمهوريات شامية ، اربعة منهم تؤلف اليوم سوريا ، كان لكل جمهورية رئيس و علم و نشيد ، ثم عقب عامين و تحديدا عام 1922 وحد الفرنسيين الجمهوريات السورية ، و ان كانت جمهورية الدروز لم تنضم الى الجمهورية الام الا عام 1936 ، بل و حتى جمهورية حلب ظلت تمارس بعض الاستقلال الادارى حتى مطلع الاربعينات

اذن نحن امام دولة ظلت حتى عام 1936 على الاقل منقسمة بسبب العاب طائفية و دولية

الجنرال الفرنسي جورو حينما دخل فرنسا عام 1920 وصل الى قبر صلاح الدين الايوبي قائلا ها قد عدنا يا صلاح الدين ، ينسب البعض تلك الجملة الى كل غازي غربي دخل مصر و العراق و سوريا خلال القرن العشرين ، و لكنها ما قيلت الا على لسان جورو عام 1920 ، الفرنسيين عموما ً هم الاكثر ولاء فكريا ً لتراث الحملات الصليبية

دوليا ً اتى البريطانيين ثم الفرنسيين و مع اشتعال الحرب العالمية الثانية اصبحت سوريا و لبنان فعليا ً تحت سيطرة المانيا النازية ، ثم عاد الفرنسيين و لكن بريطانيا كانت اقوي ، ثم حدث الاستقلال و الجلاء ، فخرجت سوريا و لبنان من السيطرة الغربية و بدأت دول المنطقة تتطلع الى الملعب الشامي مجددا ً .

لغة العصر وقتذاك لم تعد جيشا ًَ بقيادة رمسيس الثاني او تحتمس الثالث يذهب الى سوريا ، بل كانت الانقلابات العسكرية ، المرض المزمن الذى عانت منه سوريا خلال القرن العشرين

بدأت امريكا اللعبة مع حسني الزعيم بانقلاب 30 مارس 1949 ، و بعدها بعدة اشهر ردت بريطانيا بانقلاب سامي الحناوي فى 14 اغسطس 1949 حيث اعدموا الرئيس حسني الزعيم و رئيس وزرائه ، ثم قام اديب الشيشكلى بثلاثة انقلابات ، الاول عزل قيادة عسكرية موالية لبريطانيا و فى الثانية عزل رئيس الدولة لصالح رئيس جديد و فى الانقلاب الثالث طفح به الامر و قرر ترأس الدولة بنفسه.
و فى 25 فبراير 1954 جرى انقلاب اعاد هاشم الاتاسي ثم شكرى القوتلى للحكم ، تشكلت الوحدة بين مصر و سوريا بانقلاب فى يناير 1958 حينما سافر رئيس اركان الجيش السورى الى القاهرة بدون علم الرئيس السورى على راس وفد سورى عسكري رفيع المستوي ، فتم الاتفاق على الوحدة الفورية الاندماجية، ثم فضت بانقلاب فى 28 سبتمبر 1961 ، و جرى اغرب انقلاب فى التاريخ عام 1962 ( قصته بحاجة الى مقال منفصل ) حيث سيطر اصحابه على السلطة لفترة قبل ان يعيدوا الرئيس الذى انقلبوا عليه للسلطة مجددا ً بعد ان فشلوا ! .. و هكذا وصلت سوريا الى محطة انقلاب 8 مارس 1963 البعثى بعد شهر واحد من انقلاب بعثي/قومي فى العراق ادى الى اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم

لم اذكر الانقلابات الفاشلة ، التى يعتبر عددها اكبر من الانقلابات الناجحة ، و لكن نتوقف عند انقلاب عام 1963 .. فهو الانقلاب المؤسس لما نعرفه اليوم بسوريا حافظ الاسد ، او عراق صدام حسين ، و كلاهما بحسب على صالح السعدي نائب رئيس الوزراء العراقى بعد انقلاب 1963 اتى برعاية بريطانية ، و فى واقع الامر ان الاشارات توضح الى انه لم يكن بريطانيا ً فحسب بل امريكيا ً ايضا ً ، و لكن لماذا ؟

العراق وقتذاك اصبح دولة شيوعية بامتياز ، الجنرال عبد الكريم قاسم قضى على التيار القومي فى ثورة 1958 ، و رأى ان القومية العربية و حنجرة عبد الناصر مصيبة على العراق ، و كان يجب على الاتحاد السوفيتي ان يخسر قاسم و العراق ، لذا تم تدبير انقلاب 1963 و اصبح عبد السلام عارف رئيسا ً للعراق

فى سوريا كانت حكومات الانفصال ضعيفة ، برلمان هزيل القوة الحقيقية فيه لاكرم الحوراني و الاخوان المسلمين الذين فشلوا فى ادارة سوريا ، الشيوعية تتصاعد و القومية العربية فى تصاعد ، البعث رغم شعارات القومية العربية الا انه كان منافسا ً لفكر القومية العربية فى كلا ً من سوريا و العراق ، البعث يمكن ان يضرب الشيوعية و القومية العربية و حتى المد الناصرى ، تلك كانت رؤية امريكا و بريطانيا و كانوا موفقين للغاية

فى العراق التيار القومي ازاح التيار البعثى لفترة قبل انقلاب 1969 ( احمد حسن البكر ) الذى اتى بالتيار البعثى على حساب التيار القومي للابد

فى سوريا الموقف كان اصعب ، البعث تحول الى عدة اجنحة سياسية و طائفية ، فى 23 فبراير 1966 جرى انقلاب اطاح بالقيادة المدنية للبعث ففر ميشيل عفلق و صلاح البيطار خارج سوريا و تم اعتقال الرئيس امين الحافظ لفترة و اصبحت القيادة العسكرية للبعث هى المسيطرة ، و فى 13 اكتوبر 1970 قام حافظ الاسد بانقلابه ، ما جرى فى سوريا ما بين عامي 1963 و 1970 من انقلابات داخل حزب البعث يذكر فى مجلدات ، انقلاب من القيادة العسكرية على القيادة المدنية ، ثم العسكر العلويين على من هم دون ذلك ، ثم صراع بين العسكر العلويين انفسهم بين حافظ الاسد و صلاح جديد و محمد عمران ، و قد قام الاسد باعتقال جديد حتى وفاته و وقف وراء اغتيال عمران فى السبعينات

غنى عن التعريف انه نتيجة الانقلابات العسكرية شبه السنوية ، و نتيجة قيام الاحتلال الفرنسي باقالة رئيس سوريا كل بضعة سنوات ، تمتلك سوريا اكبر قائمة للرؤساء العرب فى القرن العشرين ، و اجزم – بضمير مرتاح – ان القائمة الموجودة فى ويكبيديا او دائرة المعارف البريطانية ناقصة العديد من الاسماء .

و الان لنتحدث عن سوريا اليوم ، ما هو الموقف ؟

بسبب رغبة حافظ الاسد فى جعل سوريا لاعب لا ملعب سياسي ، و ايضا لاعتبارات طائفية ، كانت ايران هى ملاذه الآمن حيال الغدر الامريكي و حتى من قبل بعض القوى الاقليمية فى المنطقة ، صحيح وقت الجد لعب الرئيس المصرى حسني مبارك دور هام و حاسم فى منع تركيا من خوض حرب مع سوريا عام 1998 ، و لكن حافظ الاسد كان يراهن على ايران فيما هو اكبر من مجرد دعم دبلوماسي

لنعترف ان الدور العسكرى الذى تقوم به ايران اليوم فى سوريا يؤكد ان حافظ الاسد بكل مساوئ حساباته قد راهن على الطرف الاقوي ، قد يقول البعض ان الويلات الجارية سببها التحالف السورى الايراني و لكن فى واقع الامر سوريا مثل العراق و من بعدها مصر هم اجزاء فى مخطط استعمارى ، سواء تحالفت سوريا مع ايران او عقدت اتفاقية مع اسرائيل فى كل الاحوال سوف ينالها الشرور يوما ً ما

التحالف السورى الايراني كفل لحافظ الاسد ان يمتلك اليد الطولى داخل لبنان ، و بعض الفصائل الفلسطينية ، و لكن بوفاة حافظ الاسد لم يستطع بشار الاسد مراعاة التوازن بين دمشق و طهران ، و رويدا رويدا ً استولت طهران على مكاسب الاسد الاب فى ملفات لبنان و فلسطين ، و اصبحت سوريا تابع لا حليف لايران

الهيمنة الايرانية على سوريا ادت الى حالة من الجنون لدى الخليج واسرائيل و امريكا و حتى مصر و العراق فى سنوات صدام الاخيرة ، و لكن يمكن القول ان تسليم سوريا بهذه الهيمنة يرجع الى امر اخر جرى فى صمت بدمشق .. اولا ً السلطة ليست فى يد بشار الاسد ، بل فى يد مجموعة من الجنرالات و المنتفعين اقتصاديا من الطائفة العلوية ، و ماهر الاسد هو الاكثر سيطرة على هذه الفئة و على الجيش السورى من بشار الاسد ، و لكن كل ما فى الامر ان بشار هو الاكبر سنا ً وقت وفاة والده ، بل و كان مقررا ً ان يتولى بشار الرئاسة لدورة واحدة او اثنتين قبل ان يتنحي لصالح اخيه برعاية امهم ، و لكن التحديدات كانت اكبر من ان يتم استبدال الرئيس بهذه السهولة

واجه ماهر/بشار الاسد تمرد سني صامت داخل البعث ، على يد نائب الرئيس عبد الحليم خدام ، و رئيس الاركان حكمت الشهابي ، و غازى كنعان رئيس جهاز المخابرات السورية فى لبنان ، الذى كان بمثابة الحاكم العسكري السورى للبنان فى السنوات الذهبية للنفوذ السورى فى لبنان ، ثلاثتهم رأوا ان حافظ الاسد كان حالة ، و لكن يجب ان يؤول المنصب الى احد منهم ، خرج الشهابي من المشهد سريعا ً بينما سعي خدام و كنعان الى لعبة جهنمية ، تمثلت فى التحضير للانقلاب عبر لبنان اولا ً ، بتعزيز زعامة رفيق الحريري السنية ، و ترسيخ تلك الزعامة لصالح السعودية لا سوريا ، و حينما يفقد بشار/ماهر الاسد السيطرة على لبنان ، يصبح من السهولة ان يحدث انقلاب فى سوريا ، بعد ان قطعوا خط الامداد الايراني السياسي القادم من حزب الله فى لبنان

واجه بشار/ماهر الاسد هذا المخطط – الذى كانت السعودية ليست بعيدة عنه – بعنف مبالغ فيه ، تماما ً مثل عنفه حيال المؤامرة المسلحة فى سوريا اليوم ، فخدام تمت اقالته ، و كنعان استدعى الى دمشق وزيرا ً للداخلية قبل ان يلقى مصرعه فى مكتبه زاعمين انه انتحر ، و رفيق الحريري استدعي الى دمشق و هدده بشار بتحطيم لبنان فوق رأسه ان لم ينفذ اوامره بالتمديد للرئيس اميل لحود ، ثم ما هى الا بضعة اسابيع الا و كانت بيروت تهتز بانفجار رهيب يفجر رفيق الحريري

كانت امريكا تنوي ان تمد العملية العسكرية على العراق فى مارس/ابريل 2003 الى سوريا بشكل فورى و مفاجئ بحسب مذكرات تونى بلير ، و لكن تم تغيير المخطط ، وبعد ان تولى نيكولا ساركوزي الرئاسة فى فرنسا ، اعتمد خطة لتقديم حوافز الى سوريا لحثها على فك تحالفها مع سوريا ، رغم ان بوش الابن عارض الخطة و راى انها لن تجدي الا ان ساركو انطلق فى هذا المسعي ، و لكن دمشق تظاهرات تارة بالانفتاح على فرنسا و تارة اخرى بالتفاوض مع اسرائيل فى انقرة ، و لكن الخيار الايراني هو الراسخ لدى ماهر/بشار الاسد

اتت التظاهرات الشعبية فى درعا بجنوب سوريا مدخل رئيسي من اجل ضرب سوريا فى ربيع 2011 .. بعد ان ايقنت كافة القوى الاقليمية و الدولية استحالة فصل سوريا عن ايران ، و انه لا بديل عن اسقاط النظام السورى ، التدخل الأول لم يكن قطريا ً او تركيا ً ، بل كان لبنانيا ً عبر اموال و رجالات سعد الحريري ، و سعوديا ً بامتياز ، و لما تطور الامر نقلت امريكا و فرنسا الثقل السياسي الى تركيا و قطر ، و لكن كلاهما فشل فى خلخلة سوريا بما يجب ، بل ان الصمود السورى اسقط المشروع القطرى و النموذج التركي ، و ذهب حمد بن جاسم و حمد بن خليفة الى ذمة التاريخ ، و يناضل اردوجان لكى لا يلحقهم سريعا ً ، و مع صفعة 30 يونيو المصرية ، و خسارة الغرب لمحمد مرسي المؤيد لمخطط هدم سوريا عبر سلاح الجهاد الاسلامي و تكرار نموذج افغانستان اصبحت العملية فى سوريا مكشوفة للغاية ، يجب على الغرب التدخل الان و الا خسر

المشكلة هنا ان الغرب و العرب ايضا ً – باستثناء مصر و العراق و الجزائر – ليس لديهم مشكلة فى تقسيم سوريا مقابل هدم النظام السورى ، بمعني انه اذا ما اراد بشار/ماهر الاسد احياء دولة الساحل العلوية – جمهورية اللاذقية فلا مشكلة ، اتركوا باقى سوريا و ارحلوا الى جبال اجدادكم ! .. و سبق و ان اوعزت قطر الى احدى صبيانها و يدعى فهمي هويدي بترديد هذا الاقتراح ( دولة سنية و اخرى علوية ) فى احدي فيديو كليبات الجزيرة مباشر مصر

اذن تلك معادلة الغرب .. حرب مستمرة الى ان يسقط النظام ، او يرحل الى دولة الساحل غربا على ساحل البحر المتوسط

و لكن هل يمكن ان تؤدى الضربة الامريكية المقبلة الى ذلك ؟؟

فى الواقع وبكل الاسف يجب ان نعرف حقيقة واحدة ، ان سوريا عصرنا هذا قد ضاعت بالفعل .. طالما فكر الغرب فى ضربها فانه سوف يعيد الكرة المرة تلو الاخرى الى ان تحدث المرة التى تؤدى الى قسم الجمهورية العربية السورية او اسقاط النظام البعثى الموالى لايران ، او تحدث معجزة و يحدث انقلاب عسكري داخل النظام البعثى لتحول الى سني القيادة ، سعودي الهوي

سوريا اليوم هى عراق 1990 .. مهما حدث الضربة الكبري سوف تأتي يوما ً ما

تداعيات الضربة الامريكية على سوريا مجهولة مهما حاول البعض التصدى لهذا الامر ، السؤال الحقيقي هنا هو ما مدي جنون ايران ؟ هل يتم ضرب قواعد/مصالح امريكية فى الخليج و العراق عبر يافطة تنظيم القاعدة ، ام يمتد الامر الى اليمن و اوروبا ، ام تكون ايران اضعف مما نتصور و لا يكون هنالك رد فعل خارج اطار سوريا و لبنان بتحرك من حزب الله ؟؟

و لكن ماذا عن النفوذ الصيني – الروسي ؟

فى واقع الامر روسيا فى موقف لا تحسد عليه ، صحيح وقف بوتين خلف الصمود الروسي دبلوماسيا ً ، و مد دمشق بالسلاح كأننا امام الجسر الجوي الامريكي حيال اسرائيل فى حربي 1948 و 1973 ، و لكن فى المجمل خسارة روسيا لسوريا تعني خسارة موسكو لنفذها الى البحر المتوسط ، و تعني ان الجهود الامريكية – التركي لتقليم اظافر روسيا سوف تنطلق بعيدا عن الشام الى الجمهوريات السوفيتية السابقة المتاخمة لحدود تركيا و روسيا ، و تعني ان نرى دعما ً غربيا ً سريا ً لجهاد اسلامي على غرار افغانستان داخل الجمهوريات المسلمة فى روسيا و على راسها الشيشان

خسارة سوريا سوف تجعل الغرب يسارع فى محاصرة روسيا

الصين حالة مختلفة فى التاريخ ، الصين لا تريد مياة المتوسط ، لديها السودان تنفذ به الى افريقيا من اجل بيع بضاعتها و السيطرة على الصناعات الافريقية ، و لكنها تستخدم سوريا و ايران و كوريا الشمالية كمخلب قط لارهاق امريكا و اوروبا و اليابان

ختاما ً .. ماذا عن مصر ؟

تعيش مصر فترة صعبة ، فالجزء الثاني من المؤامرة الاسلامية يدور على ارض مصر ، و اجهزة الدولة و ان ظفرت بمكاسب ثورة 30 يونيو ، الا ان الطريق الى الاستقرار لا يزال طويلا ً ، و بالتالى يكفى ان مصر لا تضع رصيدها الاستراتيجي و ثقلها الدولى و التاريخي فى جعبة امريكا كما حاول مرسي ان يفعل ، هذا وحده كفيل بعرقلة الكثير مما يجرى فى سوريا ، كما ان بقاء مصر قوية و غير متورطة ، كفيل بان يجعل مصر مايسترو الحفاظ على صوت سني قوي فى سوريا اذا ما جرى اعلان قيام جمهورية دمشق او جمهورية حلب او جمهورية سنية عبر دمشق و حلب ، من المهم ان تبقا مصر رافضة و لكن غير متورطة

ختاما ً .. علمنا التاريخ ان القوى الدولية تجتاح العراق .. تعبر الشام بسهولة ، و تدفن فى مصر ، سواء بالحرب او العمل السياسي ، من السلاحقة مرورا ً بالمغول و الصليبين و الفرنسين و البريطانيين و الالمان و الايطاليين و حتى السوفيت ، و مع الترنح السورى امام امريكا ، تبدو المواجهة المصرية الامريكية قريبة للغاية ، بل و ربما كان التناطح السياسي على ضوء 30 يونيو كان مقدمة جادة لهذه المواجهة ، التى يعرف الجميع منذ غزو العراق انه لا مفر منها

التجربة ايضا علمت امريكا انه لا بديل عن ضرب ايران عسكريا ً ، و هى مهمة الرئيس الامريكي المقبل .. سوف يضربون سوريا مرة و ثانية و ثالثة الى ان يرحل النظام او تكسر الجمهورية العربية السورية .. لبنان سوف يشتعل اذا ما جرى ذلك ، و سوف يجر الى هذا الاتون مهما حاول حزب الله ضبط النفس .. الاردن سوف يصاب و ايران فى سوريا تخوض آخر معاركها الاقليمية قبل ان تصبح ارضها فى موقع المعركة الاخيرة .. روسيا سوف تشهد انتقال اللعبة الى حدودها يوم تسقط سوريا

ايام تفصلنا عن متابعة اهم حدث سياسي و عسكري منذ العراق 2003