من أحد متع الحياة هو مراقبة السوق السوداء فى مصر, دمر أوهامك و تابع السوق السوداء فى مصر خاصتا حينما ترتبط بالقطاع غير الرسمى المسؤل عن "فى بعض التقديرات" 40% من إقتصاد مصر, السوق السوداء تنتعش حين يحدث ندرة أو تسعير إجبارى من الحكومة أو كلاهمها.
السوق السوداء هى حلم المصرى الفهلوى الباحث عن ربح سريع ممزوج بروح مغامرة و إحتياج الناس لة, المصرى على ما يبدو من شخصية محافظة و لكن السوق السوداء تشعل فية كل رغبات التجارة و المكسب و رغبات الغلاسة على الحكومة, هذة الرغبات تجد بيئة حاضنة مرحبة فى جهاز حكومى بيروقراطى يعانى كثير من موظفية من ضعف مرتباتهم فتأتى لهم السوق السوداء بمصدر دخل إضافى رائع و من يدفع أقل مقاومة بكثير.
تخيل معى منظومة مجتمع كاملة تعمل بمجرد فرض التسعير الجبرى, مثلا شركات الصرافة الخاضعة للبنك المركزى صاحب اليد القوية, هذة الشركات تعطيك إيصال أنها إشترت منك الدولار ب6.9 بينما هو واقعا يعطيك 7.1 للدولار, حاول مرة أحد زملائنا تمثيل دور مفتش فى البنك المركزى حتى يرهب شركة الصرافة التى تتعامل بسعر السوق السوداء و يشترى بالسعر الرسمى, صاحب شركة الصرافة نظر لة بإستهزاء و قال لة " أولا إنت موش مفتش فى المركزى لأنى أعرفهم كلهم و كلهم حبايبنا, ثانيا لو إنت مفتش ممكن نتفاهم, و لو موش هتتفاهم هنرضبك و أمين الشرطة يشهد إنك إنت المعتدى, و لو بتمثل علينا ليلة أبوك سودا" صاحبنا طبعا طلع يجرى.
تخيل شركة الصرافة هذة يدخل لها مواطنين من كافة الدرجات الإجتماعية و الوظائف والكل يتعامل بسعر السوق السوداء و يستلم إيصال بالسعر الرسمى, تخيل كل هؤلاء فجأة يصبحو متواطئين و لاعبين فى السوق السوداء, و لو فى باشا كبير دخل ممكن يأخذ بعض المميزات و يصبح متواطئ و متربح فى نفس الوقت, نسيت اقولك البنك المركزى تحت إدارة حكيمة توقف عن محاربة السوق السوداء و اصبح يتلاعب بها, إكتشف أنة لا يستطيع إنهاء السوق السوداء بإستخدام الشرطة و لكن من الممكن أن يحول السوق السوداء لصالحة أو يحاربها بقواعد عمل السوق و ليس البوليس فقط.
يصبح الأمر ممتعا جدا مع ظهور الوسطاء, حيث البائع لا يقابل المشترى, الدفاتر كلها سليمة و لكن المشترى سمسار و يوصل البضاعة للعميل و يأخذ منة سعر السوق السوداء الذى يشمل عمولة لة و يورد الفرق للبائع, يصبح الأمر مثيرا أيضا حين يكون البائع و المشترى لا يمسكون دفاتر لأن كلاهما يعمل بشكل غير رسمى, فيصبح التعامل سهلا سلسا لا مشكلة فية, و لا يزداد الأمر تعقدا حين يكون أحد الطرفين لاعب رسمى يمسك دفاتر, فقد برع المحاسبين فى إخفاء الأمر و مراقب الحسابات يتعاون جدا, تظهر منظومة غرضها تسهيل العمل لأن الإصرار على عدم التعامل بأرقام السوق السوداء سيعنى توقف العمل أو إنخفاضة بشدة.
تخيل معى تسعيرة جبرية على سعر الخضار, فجأة سيقل حجم الخضروات الداخلة لسوق العبور و الخارجة من مزارع مصر, لا تسألنى كيف سيحدث هذا لأن أصلا لا أحد يعلم حجم هذة الخضروات, لكن سيقل المعروض بشدة, ستحاول الحكومة إكتشاف لماذا قل المعروض ستجد أن جميع الأرقام تقول أن المعروض زاد و لم يقل, ألم اقل لك ستنشأ منظومة كاملة حول السوق السوداء, منظومة كاملة ستستفيد أموال سهلة تأتى لها و هيا نفسها هذة المنظومة ستتواطئ لتفشل فى أنتاج أى أرقام أو اسباب تشرح المشكلة, سيزداد بشدة عدد الوسطاء لتوزيع الخضار و سيتم هذا فى عربات أصغر و فتزداد التكلفة و لا تقلق لن يحدث لهم شئ على الطريق فزيادة السعر تكفى لإرضاء الكل.
بإختصار سوف تتعقد منظومة التوزيع و تنشأ حولها منظومة فساد لحماية منظومة التوزيع الجديدة و يحدث زيادة كبيرة فى السعر تؤدى إلى أرباح أكبر لكل العاملين فى هذة المنظومة.
ستتحرك الحكومة مباشرتا لتوفير البضائع فى الجمعيات الإستهلاكية, ستظهر على الفور فئة كبيرة من الدلالات "جمع دلالة" تذهب للجمعية و تشترى كثيرا ثم تمر على البيوت تبيع لهم بسعر أعلى , ستنتبة الحكومة فتحدد حد أقصى من الكمية يشتريها كل مواطن, فيتضاعف عدد الدلالات حتى يشترو الكمية المطلوبة و يتحدو لبيعها و إحتمال كبير سيتعاون معهم موظفى الجمعية و طبعا سوف يزيد السعر التى يدفعة المشترى للدلالة لتغطية زيادة عدد الدلالات و دخول موظفى الجمعية فى المنظومة, حلقة مفروغة ستدور إلى مالا نهاية مادام هناك مكسب يتم تحقيقة.
طبعا فكرة وجود شرطة فى الأسواق فكرة ساذجة, أولا لأن أى شخص يراقب فى النهاية هو إنسان و يريد ايضا خضروات لمنزلة, ثانيا بإفتراض الأمانة ستقل جدا البضائع فى السوق كما شرحت اعلاة فتذهب للسوق تشترى بالتسعيرة فلا تجد بضائع و لكن البضائع تأتى لبيتك أو فى مكان غير مرخص و بسعر مرتفع.
لكن هل لا يوجد أى طريقة حتى تنجح التسعيرة الإجبارية؟ نعم توجد طريقة و تؤدى لنجاح مؤقت فقط: اولا لابد أن تكون خطوط الإمداد و التموين للبضائع كلها إقتصاد رسمى خاضع للحكومة و كلها تمسك دفاتر رسمية و كلها توظف موظفين يلتزمون القانون و يرفضون أى تلاعب فى الدفاتر و مجتمع سيرفض أن يشترى ما يريد إلا بسعر تعلنة الحكومة, عادتا تنجح فى ظروف الحرب: كل هذة النقاط لا تتوفر فى مصر.