محاولة لفهم أحداث ما بعد 30-6 من منظور أحداث حماه 1982

بداية وأقولها بوضوح وصراحة وليتفق معي مَنْ يتفق وليختلف معي مَنْ يختلف وكلٌ له احترامه: "الأخوان يحبون الدم!"

لا تتعجلوا وتعالوا أحكي لكم حكاية تعود إلى الأربعينيات من القرن الماضي حينما التقى بعض من الطلاب السوريين الذين كانوا يدرسون بالجامعات المصرية بمؤسس جماعة الأخوان المسلمين حسن البنا ثم تلاميذه من بعده.. مجموعة بعض أسمائها قد يكون معروفًا لديكم: الدكتور مصطفى السباعي، وسعيد حوى، والشيخ محمد الحامد.. تتلمذوا على يد حسن البنا وعندما عادوا إلى سوريا كانوا نواة فرع الجماعة هناك..

انضم إليهم الكثيرين ومنهم: مروان حديد الذي قادته الأقدار ليذهب إلى مصر في الخمسينيات ويلتقي بتلاميذ حسن البنا وسيد قطب شخصيًا وأُعجب به وبأفكاره وآمن بها إيمانًا شديدًا! وكان مروان حديد يعلن عداءه الشديد للرئيس عبد الناصر وقتئذاك.

تولّى حزب البعث الحكم في سوريا عام 1963.. وبالطبع كان هذا الحزب في نظر الأخوان المسلمين وبالتحديد مروان حديد "كافر".. شحّن مروان الطلاب السوريين في حماه -وكان قد عاد إلى سوريا- للخروج في مظاهرة ضد الحكم البعثي الكافر واعتصم هو وبعض من الأهالي الذين اقتنعوا -بسذاجة- بكلامه لأنه خاطب فيهم الحس الديني بقوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"...

أين اعتصموا؟ اعتصموا في مسجد السلطان بحماه.. وكان بعض المعتصمين البالغ عددهم حوالي 90 شخصًا يحملون "أسلحة" و"زجاجات مولتوف" وكانوا ينظرون إلى اعتصامهم على أنه -رغم ذلك- اعتصامًا سلميًا!! هل يذكركم ذلك بشيء؟!!

وفي تلك الأثناء، قُتل طالب بعثي أثناء المظاهرات، فاستدعى عبد الحليم خدام الجيش ليحاصر المعتصمين بالمسجد لأنهم مسلحون ودارت بينهم "اشتباكات" مما أدى إلى وفاة 4 من المعتصمين وإلقاء القبض على الباقين ومنهم مروان حديد... هل يذكركم ذلك أيضًا بشيء؟

تدخل الشيخ محمد الحامد -الذي ينتمي لجماعة الأخوان المسلمين- لدى الرئيس أمين الحافظ وقتذاك للإفراج عن مروان حديد.. وحدث ذلك بالفعل وخرج من السجن.. ولكنه لم يهدأ.. فقد تركز في ذهنه شيء واحد فقط وهو القضاء على البعثيين ولم ينظر لهم إلا من منظور طائفي بحت رُغم أن هناك من ينتمي لهذا الحزب من الطائفة السنية وغير مقتصرة على الطائفة العلوية.. ولكن لأن الحزب قائم على أساس علماني اشتراكي فهو حزب كافر والانتماء إليه يعني الانتماء إلى حزب الشيطان!

بعد نكسة 1967 التي شارك مروان في العمل الفدائي أثنائها، كوّن نواة للمقاومة المسلحة ضد النظام الطائفي في سوريا.. وأسس تنظيم "الطليعة المقاتلة" الجهادي وانشق -اسمًا- عن الأخوان وبدأ التنظيم في تنفيذ العديد من العمليات المسلحة  ضد النظام نذكر منها: ضابطًا استدعى طلاب مدرسة المدفعية بحلب لديه وكان عددهم حوالي 300 طالب وأدخلهم القاعة وأخرج الطلاب السنيين بأعذار مختلفة وكان عددهم حوالي 30 طالبًا، ثم فتح النيران على الباقين فمات منهم الكثير بدعوى أنهم طلاب علويون فقط وكانت تلك هي جريمتهم الوحيدة!!

مروان حديد وإن انشق اسمًا عن الأخوان، إلا أنه كان لا يزال على اتصال بهم.. إلى الحد الذي جمع بينهم اتفاقًا على أن ينفذ لهم عمليات مسلحة تخدم غرضهم المشترك.. وهذا قالوه في كتب بأنفسهم صراحة ولست أدعي عليهم.. بل ووصل الأمر إلى أن سجّل عدنان العقلة -أحد منفذي حادث مدرسة المدفعية في حماه وأحد أفراد تنظيم الطليعة المقاتلة- تسجيلاً صوتيًا يتهم فيه الأخوان بالخيانة لأنهم تركوا سوريا وهربوا بأنفسهم اتقاء لانتقام حافظ الأسد منهم.

وتوالت الاغتيالات والتفجيرات كمقاومة مسلحة للنظام إلى أن وصلت إلى محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس حافظ الأسد عام 1980 وهنا بدأ النظام الأسدي بمعاونة رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع -التي تتلقى تدريبات خاصة- في ارتكاب مجازر جماعية في تدمر وحماه وحلب وغيرها راح ضحيتها الكثيرين إذ كانت تهدف إلى قمع المعارضة المسلحة التي وصلت إلى حد اغتيال الرئيس شخصيًا وإخمادها إلى الأبد.

وحدثت مجزرة حماه عام 1982.. حينما علم حافظ الأسد بوجود 200 إلى 300 عنصر من الطليعة المقاتلة مسلحين يختبئون في مدينة حماه.. ذهب رفعت الأسد بسرايا الدفاع والوحدات الخاصة التي تلقت تدريبات خاصة على قتال الشوارع وطوقت المدينة لأكثر من شهر... وحدث فيها قتال لما يزيد عن أسبوعين بين أفراد الطليعة المقاتلة وسرايا الدفاع..

اختار أفراد الطليعة المقاتلة ساحة قتال بين سكان مدينة حماه.. فالقتال لم يحدث في مكان بعيد عن مركز المدينة التي يُقال أن عدد سكانها وقتذاك 750 ألف نسمة، بل في قلب المدينة متمركزين في حي أثري يعود بنائه إلى آلاف السنين -فمدينة حماه من أقدم المدن في العالم وراجعوا كتب التاريخ في ذلك لتتأكدوا- مما جعل سرايا الدفاع تدك وتقصف الحي بأكمله على رؤوس مَنْ فيه!

أكثر من 80 مسجد و"كنيستين" وحي أثري بأكمله دُمّر تمامًا.. وتراوحت أعداد القتلى ما بين 10.000 إلى 70.000 قتيل باختلاف التقديرات لأن الرقم الحقيقي لم يُعلن حتى الآن ولم يُسمح للإعلام بنقل ما حدث في المدينة ولم يجرِ تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حتى الآن.

ولكن على افتراض أن عدد القتلى هو 10.000 (أقل تقدير)، فقد دفع 200 إلى 300 من أفراد تنظيم الطليعة المقاتلة إلى جعل قوات النظام تبيد بشكل عشوائي وجنوني سكان مدينة بأكملها لأن التنظيم فقط اختارها ساحة للقتال!!!

ولولا أني من تلك المدينة.. ولولا أن بعضًا من عائلتي وأقربائي ومعارفي قد قُتل أو سُجِن أو اختفى -فلا يزال الكثير غير معروف إلى أين أُخذوا!!- لكنت قد شككت في الرواية الأخوانية لأحداث حماه لما اعتادوه من تهويل وكذب فجّ وتمثيل أدوار الضحايا المغلوبين على أمرهم.

ويدعي الأخوان وأبناء الطليعة المقاتلة أن النظام هو من دفعهم دفعًا لحمل السلاح وأن حافظ الأسد هو الذي لم يترك أمامهم أي خيار!!!! ويدعي الأخوان أنهم لم يحملون السلاح ويصدرون في بيانات تستنكر هذا الحادث وتشجب الآخر... فكيف أصدقهم وهم مَنْ قالوا بأنفسهم أنه كان بينهم وبين الطليعة المقاتلة اتفاقًا وفقط قد حدث بينهم اختلاف حول موعد تنفيذ اغتيال ما!!!

أتريدونني بعد كل هذا أن أتعاطف معهم؟ أن أدافع عنهم؟ أن أناصرهم حتى وإن اختلفت معهم فكريًا؟ لا والله لن يحدث.. فأنا أحملهم المسؤولية إلى جانب حافظ الأسد هو وتنظيم الطليعة المقاتلة في ما آل إليه حالنا الآن.

فلم يعاني أبناء حماه من النظر إليهم على أنهم مجرمون لمجرد أنهم من حماه فقط بل عاني الشعب السوري كله من القمع الشديد لأي رأي مخالف للسلطة.. وأدى بنا هذا إلى 30 عامًا فأكثر من الصمت لا نجرؤ على الاعتراض عندما سُرقت منا ممتلكاتنا وأراضينا وأقواتنا..

كل ما أريد من هذا الكلام الذي حاولت اختصاره قدر إمكاني حتى لا تملون من القراءة أن تنظروا إلى ما يحدث الآن... جماعة تتعاون مع تنظيمات مسلحة لتنفيذ غرض مشترك -قذر- وهو الاستيلاء على السلطة بزعم تطبيق الدين والشريعة.. يستخدمون السُذج حتى يصلون إلى أغراضهم المريضة.. ويقفون في ساحات قتال وسط أهالي يجبرونهم على أن يكونوا ضمن صفوف قتالهم قاتلين أو مقتولين أرادوا أم لم يريدوا.. وهذا منهجهم منذ زمن بعيد وما حدث مؤخرًا في مصر ليس بجديد عليهم!

لا أقول لمن ظُلِم من مجتمعه أن يسكت عن حقه أو يستسلم للظلم، ولكن يجب أن تعرف أن الحصول على حقك بالدم وبالعنف لن يؤدي إلا لمزيد من العنف، وحينها ستنقلب من مظلوم إلى ظالم لأنك ستجرّ معك أُناس لا ذنب لهم وقد تدفع بآخرين ليَقتلوا أو يُقتلوا حتى تحقق أغراضك.. المقاومة المسلحة ضد أبناء وطنك/دينك لا تنعكس أضرارها وكوارثها على مَنْ يقومون بها فقط بل على الجميع بلا استنثاء برغبتهم أو رُغمًا عنهم..
هناك الكثير من الطرق غير المباشرة لأن تسترد حقوقك من المجتمع، ليس الخيار المسلح من بينها.. والأمثل –من وجهة نظري- هو العمل المجتمعي والتثقيفي.

فليس لأن لدي نزعة انتقامية ضد المجتمع، ألجأ إلى التدثر بعباءة الدين لأبرر انتقامي.. وإذا كنت تقوم ببعض الأفعال مقتديًا بما حدث أيام الرسول عليه الصلاة والسلام من جهاد للكفار فهذا خطأ شديد لاختلاف الزمان والأحداث.. فقد أوصلتك أفكار الأخوان –على الرغم مما يبدو من جمال ظاهرها- إلى أن تعتبر كل من يخالفك كافر أو مرتد وبالتالي يعدونك لأن تستبيح دمائهم في أي وقت غير مضطرين لأن يقولوها صراحة فقد زرعوها بداخلك

لمدة شهرين من 30 يونيو 2013 وما بعد ذلك، لم أكن أستطيع النوم.. وحين أنام تطاردني الكوابيس.. فقد كنت أخشى أن يدفع الأخوان بمصر إلى تكرار حدوث أحداث حماه 1982.. ومن ثمَّ استغلالها سياسيًا على نمط الهولوكوست... وقد حدث ذلك بالفعل.. حين أصروا على عدم فض اعتصامي رابعة والنهضة رُغم التحذيرات المتكررة بأن الشرطة ستقدم على فض الاعتصام ولن تمتنع عن استخدام الذخائر الحية في حالة المقاومة المسلحة.. ولكنهم أصرّوا على دفع مَنْ معهم إلى أن يُقتلوا.. وحدث أيضًا أن تبادلوا إطلاق النيران مع قوات الشرطة أثناء فض الاعتصام وإلقاء قنابل المولتوف عليهم.. وياللجهل الذي تحجج به من يدافعون عنهم قائلين أن هذا لا يستدعي من الشرطة استخدام الذخائر الحية.. هل تعلمون مع مَنْ وعن مَنْ تتحدثون؟!! دولنا دول أمنية تستخدم الشرطة كأداة للقمع، فلا تتوقع أن تعارضها بأسلحة قد لا ترقى قوتها إلى ما تستخدمه الشرطة ثم تنتظر أن يضبط رجال الشرطة أنفسهم ولا يردون على هذه المقاومة.. وبالتأكيد وقع خلال هذه الاشتباكات الكثير من الناس ممن صدقوا زعم الأخوان السلمية الخالصة وذنبهم في رقبة من دفعهم ليتلقوا الرصاص بدلاً عنهم وهربوا هم مثل النعاج!

أنا لست هنا بصدد توثيق تاريخ أو ذكر كل الأحداث فقد ذكرت فقط ما حدث من جانب واحد أُريد من خلاله أن أوصل نقاط معينة، وأعيد وأكرر أنني لا أدافع عما فعله حافظ الأسد وفي الوقت ذاته لا أحمله كل المسؤولية عما جرى! مسؤولية ما حدث تبدأ من عند حسن البنا وسيد قطب الذين استغلوا حماسة الشباب وحبهم للدين الإسلامي ووجهوههم نحو النظر من منظور طائفي بحت (مسلم/علماني، مسلم/مسيحي/ سني/علوي).

أُنهي حديثي برفض أي شفقة أو تعاطف تريدون أن تظهروه تجاه ما حدث لأبناء مدينتي.. فلست هذا ما أسعى إليه وإذا كنت أُريد ذلك حقًا لرويت لكم عن المآسي والفظائع التي تعرضوا لها ولكن لا ولن أفعل!

واللهم إن كنت قد أخطئت في شيء كتبته فأنر لي بصيرتي.. لا يهمني الدفاع عن فلان أو علان.. ولا يهمني أن أُرضي أهوائي أو هذا الرأي أو ذاك.. ما يهمني هو أن أرى بلدي الأولى والثانية في سلام وآمان.