الجيش يحكم مصر من 10 آلاف سنة

المؤسسة العسكرية المصرية منذ فجر التاريخ لها وضع بالغ الخصوصية، فمن جهة تعتبر الحضارة المصرية القديمة هى أول حضارة و أول دولة تقدم للعالم اجمع نموذج الحاكم الذى يترأس المؤسسة العسكرية، أذ جرى العرف على أن يقدم الملك ولى عهده الى مدرب كفء ينتمى الى الجيش و ربما فى كثير من الأحيان يكون هو قائد الجيش نفسه، حيث يتربى ولى العهد تريبة عسكرية صارمة، فيصبح جزء من المؤسسة العسكرية، و حينما يتولى العرش يقوم كاهن العرش بتنصيبه أبناً للرب، و هكذا يجمع الملك بين السلطة السياسية مماثلة فى الأسرة الحاكمة، والسلطة العسكرية عبر تربيته العسكرية، و السلطة الدينية ممثلة فى معبد الرب.

ويمكن القول بلا مواربة أن هذا المشهد الثلاثي بين الجيش و الحزب/الأسرة الحاكمـ(ة) والشرعية الدينية/الدستورية/الثورية قد جرى أنتاجه عبر تاريخ مصر منذ فجر تاريخها وحتى يومنا هذا، ويحفل تاريخ مصر القديمة بتولى قادة الجيش للعرش فى اوقات صعبة، كما يحتوي تاريخ مصر القديم على أكثر من إنقلاب عسكري.

ويحفل كذلك بأنتصارات عسكرية باهرة فى أفريقيا و الشام و الحجاز، و كان قائد الجيش دائماً من أخلص مستشاري الملك و فى أحيان كثيرة يكون من أهم رجالات الدولة الذين اشرفوا على تربيته و نشأته.

ولقد أدركت الحضارة الأسلامية ودولها عظمة المؤسسة العسكرية المصرية، وكانت دولة الإسلام فى معاركها المصيرية تسارع بتفعيل دور المؤسسة العسكرية المصرية فى الدفاع عن الشرق الأوسط، ونجد أن الدولة الأيوبية لم تستطع إيقاف الصليبين الا عبر السيطرة على مصر و صناعة جيش قوى من المصريين، و فعل المماليك الأمر ذاته امام المغول.
وحينما أستعان محمد على بالجندية المصرية، صنع مشروعاً إقليمياً يمثل حلم لكل حكام المنطقة حتى يومنا هذا.
ويلاحظ أنه حينما بدأ الخديوي إسماعيل فى مشروع الدولة الليبرالية بمفهوم عصره، تصدر الحركة الوطنية وقتذاك عدداً من ضباط الجيش يتصدرهم الزعيم أحمد عرابى، الذى يعتبر أول زعيم و قائد للحركة الوطنية المصرية فى التاريخ الحديث، و هى إشارة هامة للغاية، و أسس عرابى الحزب القومي المصري.

وعقب أبرام المعاهدة المصرية – البريطانية فى الثلاثينات من القرن العشرين، سمحت هذه المعاهدة بدخول كافة فئات المصريين الى الكلية الحربية، ولك أن تتخيل أن الدفعة الأولى ضمت جمال عبد النصر و محمد أنور السادات وزكريا محيي الدين و عدداً آخر من مؤسسي و أعضاء حركة الضباط الأحرار.

ومهما اختلفت آرائنا حول ثورة 23 يوليو 1952، فأننا أولاً و أخيراً امام انقلاب عسكري تحول الى ثورة حينما ألتف الشعب حولها، رغم أن كتب التاريخ تحمل لنا فئة من المصريين لم يؤيدوا الثورة، و لكن غالبية المصريين كانوا معها.
وتشكلت عقب 23 يوليو 1952 العقيدة الحديثة للمؤسسة العسكرية المصرية، و منها أن يكون هنالك أنسجام بين المؤسسة الرئاسية والمؤسسة العسكرية، لان الجيش يدعم السلطة من خلف الستار طالما توفرت لهذه السلطة الشرعية الشعبية، وهذا الأنسجام تحقق بشكل تلقائى منذ 23 يوليو 1952 لان كافة رؤساء الجمهورية بداية من اللواء محمد نجيب مروراً بالبكباشى جمال عبد الناصر و اليوزباشى محمد انور السادات والفريق أول محمد حسنى مبارك كانوا ينتمون الى المؤسسة العسكرية، و حتى الأسماء التى طرحها البعض كبديل لهؤلاء كانوا ينتمون ايضاً الى المؤسسة العسكرية، مثل المشير عبد الحكيم عامر أو المشير عبد الحليم أبو غزالة أو المشير محمد الجمسي وحتى الفريق سعد الدين الشاذلي و حسين الشافعي و زكريا محيي الدين.